languageFrançais

ماذا نعرف عن طب الشيخوخة وأي إضافة سيقدّمها للمنظومة الصحية في تونس؟

لاقى قرار وزارة الصحة إحداث اختصاص طبّ الشيخوخة (Gériatrie) في جميع كليات الطب التونسية ترحيبًا واسعًا من الأطباء والفاعلين في القطاع الصحي. واعتُبر هذا القرار مكسبًا مهمًّا من شأنه تحسين التكفّل بكبار السن، في ظلّ التحوّلات الديمغرافية التي تعرفها تونس وارتفاع نسبة هذه الفئة التي بلغت، وفق نتائج التعداد العام للسكان والسكنى  الأخير، 16.9%، مع توقّعات بأن تصل إلى 18% بحلول 2030.

وكان وزير الصحة مصطفي الفرجاني قد أعلن إدراج طب الشيخوخة ضمن التخصصات الطبية بكليات الطب الى جانب تنقيح الفصل 341 المتعلق بقائمة التخصصات و وضع برنامج تكوين مدّته 5 سنوات للأطباء الشبان وإحداث هيئة وطنية تشرف على هذا الاختصاص.

الإطار الديمغرافي..تونس أمام تحدّي التهرّم السكاني

الإعلان عن إحداث هذا الاختصاص يأتي في وقت تشهد فيه تونس نموًّا مطّردًا في أعداد كبار السنّ، ما يجعل من رعاية هذه الفئة مسألة ملحّة تتطلّب كفاءات طبية متخصّصة.

يتميّز هذا الاختصاص بطابعه الشامل والمتداخل بين عدّة مجالات طبية واجتماعية ونفسية، فهو لا يقتصر على معالجة الأمراض فقط، بل يهتم كذلك بتأثير التقدّم في العمر على القدرات الوظيفية والحالة النفسية والاجتماعية للمسنّ.

تونس أمام تحدّي التهرّم السكاني

خصوصية أمراض المسنّين

ويترافق التقدّم في العمر مع تغيّرات فيزيولوجية تقلّص من قدرة الجسم على التكيّف، كما يشكو المسنّون عادة من تعدّد الأمراض (Polypathologie) الذي يفرض اللجوء إلى أدوية متعدّدة (Polymédication)، وهو ما قد يزيد من مخاطر الأعراض الجانبية.

وتُضاف إلى ذلك مشكلات مرتبطة بالتغذية، واضطرابات الإدراك، وتراجع القدرة على الاعتماد على الذات في تلبية الحاجيات اليومية.

أهمية تكوين الأطباء في هذا المجال

وهنا تبرز أهمية تكوين أطباء مختصين في اختصاص أمراض الشيخوخة اذ سيساهم ذلك في تحسين التكفّل بالمسنين، خاصة في الحالات المعقّدة أو لدى من هم في وضعيات هشّة. كما يشكّل سندًا مهمًّا لأطباء الخطّ الأوّل (الطبّ العام) في معالجة هذه الحالات.

كلية الطبّ بتونس

آراء أهل القطاع

اعتبر عدد من الأطباء أنّ غياب هذا الاختصاص في تونس كان يُصعّب عملية الإحاطة بالمسنين، مثمّنين قرار إدراجه في كليات الطب.

ووصفت رئيسة الجمعية التونسية لطبّ وعلوم الشيخوخة، إيمان قسنطيني، الخطوة بـ"اليوم العظيم والحلم الذي يتحقّق"، مؤكّدة أنّ هذا الإجراء سيحسّن بشكل ملموس الرعاية الصحية لكبار السن. وأشارت إلى أنّ الأمراض التي قد تبدو عادية لدى الكهول، مثل السكري أو ارتفاع ضغط الدم، تأخذ أشكالًا مختلفة وأكثر تعقيدًا لدى المسنين، فضلًا عن وجود أمراض خاصّة بهم مثل الزهايمر.

لمحة تاريخية عن طبّ الشيخوخة

ظهر مصطلح "Gériatrie" سنة 1909 على يد الطبيب النمساوي إغناتس ليو ناشر، الذي يُعتبر مؤسّس هذا الاختصاص. ومع بداية القرن العشرين، بدأ الاهتمام يتزايد بالأمراض المرتبطة بالتقدّم في السن بعد أن عانت طويلًا من الإهمال.

وفي الأربعينات، كانت الطبيبة البريطانية  مارجوري وارن  من الرائدات في هذا المجال، إذ ساهمت في تطوير أساليب التكفّل بكبار السن في المستشفيات.

الطبيبة البريطانية مارجوري وارن من الرائدات في مجال طبّ الشيخوخة

لاحقًا، شهدت أوروبا توسّعًا كبيرًا في الاعتراف بطبّ الشيخوخة كاختصاص مستقل، مع إنشاء جمعيات علمية ومجلات طبية متخصّصة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، أُدرج تدريس هذا الاختصاص بكليات الطب منذ السبعينات، إلى جانب مراكز بحثية متخصّصة.

أما في أوروبا، فقد بدأ تدريسه تدريجيًا منذ الثمانينات والتسعينات، ليصبح اليوم اختصاصًا معترفًا به عالميًا، مدفوعًا بالتهرّم السكاني المتسارع.

ورغم أنّ هذا الاختصاص يلقى اهتمامًا خاصًا في الدول المتقدّمة، فإنّ العديد من البلدان النامية باتت تواجه التحدّيات نفسها، نتيجة ارتفاع أعداد كبار السن وما يترتّب عنه من حاجيات صحية ونفسية واجتماعية متزايدة.

إعداد شكري اللّجمي