languageFrançais

قرطاج... وتتواصل الأسطورة الخالدة

* من مبعوث موزاييك إلى روما: شكري اللجمي

قد لا نحتاج إلى أي دليل للتأكّد من مدى عظمة قرطاج وحضارتها على امتداد مئات السنين، فالمؤرخون وكتب التاريخ  أطنبوا في الحديث عن قرطاج العضيمة ومساهماتها العديدة في بناء الحضارة الإنسانية واشراقها على مناطق واسعة من العالم.

وبعد قرون من اندثارها، ما تزال الحضارة القرطاجية تثير الإهتمام والإعجاب وتلهم الشعوب من خلال الشواهد التي توثّق لعظمة هذه الإمبراطورية على مختلف المستويات الإقتصادية والسياسية والثقافية والفنية وغيرها من المجالات.

إحتفاء جديد بهذه الحضارة شهدته مؤخّرا في العاصمة الإيطالية روما من خلال معرض يحمل عنوان ''قرطاج: الأسطورة الخالدة'' يحتضنه معلم الكوليسيوم، أحد أشهر معالم روما أو لعلّه الأشهر على اللإطلاق.  

وقد تمّ افتتاح المعرض الذي سيتواصل على امتداد 6 أشهر، يوم الخميس الماضي بحضور وزير الثقافة محمد زين العابدين وسفير تونس بروما معزّ السيناوي وعدد من المسؤولين التونسيين والإيطاليين.

400 قطعة أثرية
ويضم المعرض  ما يزيد عن 400 قطعة أثرية، حوالي 90 قطعة منها تمّ جلبها من تونس ومتاحفها فيما تم جلب القطع الأخرى من عدّة مدن متوسيطية في ايطاليا واسبانيا واليونان وغيرها من الدول.

 ويستعرض مسيرة قرطاج من جذورها في صور الفينيقية إلى الحقبة المسيحية، ويحتوي  على شواهد توثّق للحضارة القرطاجية. ونجد فيه عدّة أقسام منها ما يتعلّق بالتأسيس وآخر يستعرض حضارة الفينيقيين أسلاف القرطاجيين ومدنهم، والتجارة والمعمار القرطاجي ومراحل التوسّع في البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى الجوانب الفنية والثقافة والحياة العامة والسياسية والدين والمعتقدات والحروب البونيقية (أو البونية).

لهذا تبقى قرطاج خالدة...

ويستمدّ المعرض إسمه (قرطاج: الأسطورة الخالدة) من خلود قرطاج على امتداد الأزمنة، وإعادة البناء المستمرة. فكلّما يتمّ تدمير قرطاج يُعاد بناءها لتحيا مجدّدا وتستعيد مجدها، وما تزال خالدة إلى الآن، ففي منطقة قرطاج بالضاحية الشمالية لتونس العاصمة يقع القصر الرئاسي أهمّ المقرات السيادية في البلاد، ومن هنا تأتي صفة ''الخلود''.  

السلام بعد الحرب

وبعد قرون خلت من العداء والحروب يحلّ السلام بين الحضارتين العريقتين القرطاجية الرومانية من خلال هذا المعرض، حيث يفتح معلم الكولوسيم، مفخرة الرومان، أبوابه برحابة صدر لقرطاج وتاريخها وشواهدها إعترافا بعظمة الحضارة القرطاجية واسهاماتها في الحضارة الإنسانية.

توظيف المعرض لخدمة السياحة

ويمثّل المعرض فرصة هامة لدفع القطاع السياحي في تونس واستقطاب المزيد من السياح من خلال الإستفادة من ملايين الزوار الذين يتوافدون سنويا على معلم الكوليسيوم، والذين قد يغريهم القدوم إلى تونس لإكتشافها عبر بوابة قرطاج. 

ماذا قالوا عن المعرض؟

وزير الثقافة محمد زين العابدين:

"هذا المعرض يشرّف كلّ تونسي وهو جزء من الديبلوماسية الثقافي... نتمنى أن يكون قبلة لعدد كبير من السياح ويستفيد من الملايين من الزوار الذين يتوافدون على الكوليسيوم،  بالنظر إلى أهميته المعروضات واعتبارا لقرطاج وقيمتها.. وانشاء الله مثلما ترعى تونس تاريخها تقوم على النهوض بحاضرها ومستقبلها.

قرطاج هي عمق المتوسط ولا بد أن نشتغل اكثر على هذا العمق المتوسطي والمغاربي العربي  ونعطيه ما يستحق من اهتمام لا فقط على مستوى الحضارة والذاكرة والتاريخ ولكن على مستوى الإستثمار."

 

معز السيناوي سفير تونس بروما:

"حدث كبير يحتضنه أهم معلم تاريخي في إيطاليا وستكون قرطاج في قلب روما، وهو حدث تاريخي استمر الإعداد له طيلة سنتين. أردنا أن لا تقتصر هذه التظاهرة على القطاع الأثرية النادرة القادمة من تونس اذ أنه يضم آثار من مختلف المدن المتوسطية لأنّ قرطاج لها بعد متوسطي وفي العصر القديم يعتبر بعدا عالميا.


طيلة 6 أشهر سنغتنم فرصة المعرض للترويج للمنتوج الثقافي التونسي من خلال السينما والموسيقى الكلاسيكية وعروض الأزياء، وهي فرصة لا تكرر دائما سنستغلها للترويج لأفضل ما لدينا."             

 

فوزي محفوظ المدير العام للمعهد الوطني للتراث:

 
"يقام المعرض في أضخم معالم العالم القديم وأضخم معالم روما عاصمة الإمبراطية الرومانية.
تشارك فيه تونس بأكثر من 80 قطعة نادرة والبعض منها يغادر البلد التونسية لأول مرة. وهي تظاهرة فيها جانب سياسي من خلال حضور وزير الثقافة للتعبير عن أنّ تونس بلد حضارة وثقافة وفي فترة ما من تاريخها كانت قوّة عظمى في البحر الأبيض المتوسّط وخاصة في زمن قرطاج.
كما كانت تونس في فترة ما مقاطعة من أهمّ المقاطعات الرومانية  وأهمها في البحر المتوسّط، وتضاهي روما من حيث الأهمية."

 

 

باولو كسيلا أحد المسؤولين عن المعرض من الجانب الإيطالي:

 "هذا المعرض يمثّل فرصة للقطع مع بعض الصور النمطية التي تروّج عن القرطاجيين والفينيقيين من أنّهم ليسو إلاّ مجرّد تجار أذكياء لا يبحثون سوى عن المادة وليسوا أمينين، وهي الصورة التي روّج لها الرومان ونجد بعض من أصدائها في كتب التاريخ وهو أمر ليس دقيق. 
كما يمثّل فرصة لتوضيح مسائل تاريخية هامة على غرار تقديم أعداد هائلة من الأطفال كقرابين للآلهة في ما يعرف  بالتوفاة (أو مقبرة الأطفال)، فقد أظهرت البحوث الحديثة أنّ عدد الأطفال الذين يتمّ تقديمهم  ليس بالحجم الذي يتمّ الترويج له."