languageFrançais

'دشرة'.. فيلم ممنوع على أصحاب القلوب الضعيفة!

لطالما كانت أساطير الشعوذة في تونس موضوع ريبورتاجات صحفية وموائد نقاش ومنابر دينية لكن الطرح السينمائي كان غائبا تماما. ولطالما كانت مثل هذه المواضيع مادة دسمة للسينمائيين العالميين يقتبسون من هذا العالم المحظور والسريالي أحيانا القصص ليصنعوا منها أفلاما حُفظت في المكتبات السينمائية ولعل أشهرها هو فيلم "طارد الأرواح الشريرة" أو "المشعوذ"، إن صح التعبير، (The exorcist) لويليام فريدكين سنة 1973.


قدمت شركة "هكا للتوزيع" يوم الثلاثاء 15 جانفي 2019 فيلم "دشرة"، أول فيلم روائي طويل لعبد الحميد بوشناق بمدينة الثقافة. 


في تجربته الأولى في إخراج الأفلام الراوئية الطويلة، اختار المخرج الشاب أن يغامر وأن يصدر أول فيلم رعب تونسي. نَصفُها بالمغامرة لعدة اعتبارات، أولها أن عين المشاهد التونسي اعتادت على نوعية وجَوْدة لطالما كانت حكرا على الصناعة السينيماتوغرافية الأمريكية خاصة. ثانيا لأن السوق التونسية ضيقة ولا تستوعب هذه الفئة من الأفلام لتكون مربحة، اختارفيها المشاهد التونسي هجرة قاعات السينما والاستنجاد بالأنترنت لتشاهد ما يحلو له من أشرطة الرعب. لكن المخرج مضى قُدما في حلمه دون أن يضع لنفسه قيودا تحوله دون تحقيقه.


يمكن أن نقول عن دشرة أنه فيلم ممنوع على أصحاب القلوب الضعيفة لسببين، أولهما موضوعي نظرا لطبيعته وثانيهما أن الشروع في مثل هذه المخاطرات السينمائية تستوجب قلبا شجاعا ونفسا طويلا كنفس مخرجه الذي هو كاتبه ومنتجهفي نفس الوقت.


اعتمد بوشناق تقنيات عالية للتصوير تماهت مع طبيعة الطرح التي تسودها الألوان الباردة والتأثيرات الباهتة وسيناريو نجح أن يضخ فيه جرعات طرافةٍساعدت في تخفيف وقع الرعب الذي كان طاغيا. كما كانت حبكة النص محكمة كان عنصر المفاجأة فيها هو النجم في النهاية التي كانت على عكس كل التوقعات. 


"دشرة" هو فيلم مستوحى من عمق الأساطير التونسية حول السحر والشعوذةومقتبس عن قصة حقيقية. اختار فيه بوشناق كلا من ياسمين ديماسي، عزيز جبالي وبلال سلاطنية ليمثلوا دور طلبة من معهد الصحافة بصدد الإعداد لمشروع تخرّجهم في شكل تقرير مصوّر. فاختاروا موضوع الشعوذة للاستقصاء فيه والخوض في خفايا قصة امرأة مجنونة يصفها عملة المستشفى بـ "السحّارة"!


تحدث بوشناق عن الفيلم قبل انطلاقه فقال عنه أنه غير مدعوم من أي جهة، داخلية كانت أم خارجية. وأنه ممول ذاتيا وأنه لولا إيمان المشاركين به من ممثلين وتقنيين وكل الطاقم العامل لما كان له أن يرى النور وسطعتمة الظروف القاسية التي تم التصوير فيها. واختتم بوشناق كلمته برسالة أمل مفادها أنه لا يجب للحالم أن ينتظر أن يد مساعدة تُقدّم له وأن يسعى لتحقيق حلمه دون توقع أي مقابل أو عرفان.


قيل عن دشرة أنه ظُلِم عندما لم يتم اختياره ضمن مسابقة الأفلام الطويلة للدورة 29 لأيام قرطاج السينمائية، لكن المهرجانات العالمية كمهرجان البندقية وغيره من المهرجانات العالمية أنصفته. ويبدو أن الجمهور التونسي سينصفه كذلك قياسا على الاقبال الجماهيري الكبير الذي لاقاه في الحصة قبل الأولى وحفاوة التصفيق عند انتهائه.


ينضاف فيلم دشرة إلى السجل السينيماتوغرافي التونسي ويوقّع في التاريخ أنه أول تجربة تونسية في صنف أفلام الرعب بمقاييس عالمية. كما يثبت أن الشباب التونسي قادر على تغيير المشهد السينمائي عبر إثارة مواضيع لم يتم الخوض فيها سابقا وخلق سوق لفئات جديدة من الأفلام لا تندرج ضمن خانة الرومانسية أو الدراما أو غيرها من المواضيع المستهلكة.


"دشرة" سيكون في قاعات السينما انطلاقا من يوم الأربعاء 23 جانفي 2019.


نوال بيزيد