languageFrançais

رعب يحبس الأنفاس في قاعة الكوليزي في العاصمة

يقال إن رواد أفلام الرعب والاثارة هم أشخاص يحملون غضبا مكتوما داخلهم..  ولعل الأفواج البشرية التي توجهت إلى إحدى أكبر قاعات السينما في العاصمة فغصت بهم ولم تسعهم، هم ذوات غاضبة تبحث عن متنفس بعيدا عن الأزمات السياسية والاقتصادية التي لا تنتهي في الخارج.. 


وعلى اعتباري مشاهدة مدمنة لهذا الصنف من الأفلام التي اعتدناها أمريكية أو أوروبية، لم أدخل بتوقعات كثيرة، وافترشت أرضية الطابق الثالث من قاعة الكوليزي أزاحم المئات من جمهور أغلبهم من الشباب والمراهقين، وكان مجرد أن يعم الهدوء القاعة يبدو غاية لا تدرك، لكن المفاجأة السارة كانت بعد دقائق من إنطلاق الفيلم التونسي "دشرة" الذي قدم على أنه "فيلم رعب"، إذ صار ممكنا أن أسمع بوضوح أنفاس من يلامس كتفي منتظمة حينا مرتبكة أحيانا كثيرة. نعم يمكن أن يكون فيلما تونسيا طويلا بصورة رائعة وتقنيات عالية ومؤثرات قوية وسيناريو طريف وآداء إحترافي.. ومرعبا في الآن نفسه. نعم لقد حبس عبد الحميد بوشناق أنفاس المئات في أكثر من لقطة، وجمّد الدماء في العروق وأفزعنا بمشاهد غير متوقعة ولا مستهلكة، ولم نر شبيها لها في أي فيلم تونسي سابقا.

كان بوشناق قد أكد لموزاييك منذ إنتهائه من تصوير الفيلم أنه "حلم حققه من لا شيء.. وأنه باع سيارته لينجزه" فظننتني سأجلس لما يقارب الساعة والنصف لأواكب "محاولة" صناعة فيلم "النوع" ( film de genre) وأكتفي بانتقادها وتشجيعها إن لزم الأمر، لكن بوشناق الإبن خالف توقعاتي ووجدتني أمام عمل فني محترف جدا، بل قد يكون من أشد الأفلام التونسية التي شاهدتها احترافية وجرأة.


من المتفق عليه أن فن الإضحاك من أصعب الفنون، في حين أظن من الواجب إرداف "فن الإخافة" ضمن هذا القول.  ليس سهلا أن تحمل مُتفرّجا من هواجسه وعالمه، إلى عوالم لا يصدقها، فيعيشها ويعايش شخصياتها ويستشعر خوفها ورعبها، ويغادر القاعة المزدحمة ليعيش لحظات في ظلمات الغابة الموحشة و"الدشرة"  الغريبة ويخفق قلبه خوفا من ما سيحدث، وكل هذا بوجوه وحوار وأماكن وصناعة وفكرة.. تونسية جدا.


كما أنه ليس هيّنا أن تمازج بين الواقع التونسي بلهجته ومشاغل شخصياته وقناعاتها ومنطوقها و"ضمارها"، وبين التشويق والغموض والحبكة شديدة المتانة التي كادت أن تكون بلا شوائب، وكل هذا نجح فيه صانع الفيلم وهو كاتب السيناريو أيضا، وبعث برسالة أمل قوية بأن الحلم يمكن أن يكون تونسيا، وأن جيلا جديدا في صناعة السينما قادم بخطى ثابتة.

أمل الهذيلي