languageFrançais

ترامب يضع فنزويلا على فوهة بركان

لم تكن العلاقات بين الولايات المتحدة وفنزويلا يوماً مستقرة منذ صعود "التيار البوليفاري" بقيادة هوغو تشافيز وخلفه نيكولاس مادورو، لكنها وصلت في الآونة الأخيرة إلى ذروة غير مسبوقة من التوتر، تحولت فيها الضغوط الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية إلى حشد عسكري وتحذيرات مباشرة بالتدخل. 

وركزت إدارة الرئيس دونالد ترامب بشكل مفاجئ ومكثف ثقلها الدبلوماسي والعسكري على كاراكاس، معلنةً أن أيام نظام مادورو أصبحت معدودة. 

أصل الخلاف وتصعيد ترامب

الخلاف الجذري بين واشنطن وكاراكاس ليس وليد اللحظة، بل يضرب بجذوره في النموذج الاشتراكي المعادي للولايات المتحدة الذي تبناه كل من تشافيز ومادورو. 

بالنسبة لواشنطن، يمثل نظام مادورو - الذي تتهمه بالديكتاتورية والتلاعب بالانتخابات والفساد المالي وانتهاك حقوق الإنسان - تحدياً مباشراً للنفوذ الأمريكي في القارة، بالإضافة إلى قلقها بشأن احتياطيات النفط الهائلة في فنزويلا.

ومع وصول ترامب إلى السلطة، تم تبني استراتيجية "الضغط الأقصى" الهادفة إلى إجبار مادورو على التنحي. 

وفي الآونة الأخيرة، تزايد هذا الضغط ليشمل تركيزاً عسكرياً واضحاً، حيث تم نشر قوات بحرية وجوية إضافية في منطقة البحر الكاريبي، بما في ذلك أكبر حاملة طائرات أمريكية، بذريعة مكافحة تهريب المخدرات التي تتهم واشنطن نظام مادورو بتزعمها عبر ما تسميه "كارتل الشمس" أو "كارتل دي لوس سوليس".

 

"كارتل الشمس"  هي شبكة تزعم الولايات المتحدة أنها تضمّ ضباطًا ومسؤولين كبارًا في القوات المسلحة الفنزويلية، متورطين في تهريب المخدرات والفساد السياسي، وقد صنفتها وزارة الخزانة الأمريكية كمنظمة إرهابية دولية في أوت 2025

تحت غطاء مكافحة المخدرات: استهداف القوارب الفنزويلية

إحدى التجليات الأكثر وضوحاً للتركيز العسكري الأمريكي الجديد كانت عبر تكثيف العمليات البحرية في مياه البحر الكاريبي والمحيط الهادي، والتي تم تبريرها رسمياً بأنها "أكبر عملية لمكافحة المخدرات في نصف الكرة الغربي". 

وقد تركزت هذه العمليات على اعتراض واستهداف القوارب والسفن التي يشتبه في أنها تابعة لكارتيلات المخدرات التي تربطها واشنطن بالنظام الفنزويلي. 

وفي عدة حوادث نفذت القوات الأمريكية هجمات ناجحة أدت إلى مصادرة كميات هائلة من الكوكايين وإلقاء القبض على أشخاص. ورغم أن الولايات المتحدة تؤكد أن الهدف هو حماية الأمن الإقليمي، يرى مراقبون أن هذا النشاط الموسع هو جزء من استراتيجية الضغط الأقصى لـ "خنق" مصادر تمويل نظام مادورو، ويمثل أيضاً استعراض قوة على أعتاب المياه الإقليمية الفنزويلية، مما يرفع من وتيرة التوتر العسكري والدبلوماسي إلى مستويات غير مسبوقة.

تصعيد عسكري ودبلوماسي

عزّز ترامب هذا الضغط بوضوح بعد سلسلة من الإجراءات والاجتماعات رفيعة المستوى، حيث أفادت تقارير إعلامية أن الرئيس ترامب عقد اجتماعات مع كبار مستشاريه وقادته العسكريين، بما في ذلك وزير الحرب ورئيس الأركان، لمناقشة سبل مزيد الضغط على فنزويلا، مما يشير إلى أن الخيارات العسكرية المحتملة أصبحت على الطاولة فعلاً، وإن كانت كتهديد نفسي في المرحلة الحالية.

وبلغت التوترات أوجها بمكالمة هاتفية قصيرة بين ترامب ومادورو، وفي هذه المكالمة، كان الموقف الأمريكي حازماً بشكل غير مسبوق.

  أكدت مصادر مطلعة أن ترامب طالب نيكولاس مادورو بـ"الاستقالة فوراً ومغادرة البلاد". 

ورفض ترامب أي طلبات من مادورو برفع العقوبات، وأمهله وقتاً محدوداً للمغادرة الآمنة إلى وجهة يختارها، قبل أن يعلن لاحقاً عن إغلاق المجال الجوي الفنزويلي في إجراء تصعيدي.

قرار إغلاق المجال الجوي دفع فنزويلا إلى تقديم شكوى لدى منظمة الطيران المدني الدولي، معتبرة ما أقدم عليه ترامب يعدّ انتهاكا للسيادة وتدخلا أجنبيا غير قانوني، يعرض سلامة الطيران المدني للخطر من خلال تقديم معلومات مضللة.

إمّا التفاوض أو التصعيد العسكري

مادورو الذي يرفض التنحّي يصرّ على أن واشنطن تسعى للسيطرة على نفط فنزويلا، واصفاً الإجراءات الأمريكية بأنها "إرهاب نفسي واعتداء استعماري". 

ورداً على الحشد العسكري، قام مادورو بتعبئة قواته والقوات المسلحة البوليفارية استعداداً لأي سيناريو عسكري محتمل.

ويرى العديد من المحللين أن "الغزو الأمريكي الشامل" ما يزال مستبعداً وأنّ التهديد بالعمل العسكري المحدود أصبح أداة ضغط نفسية قوية، خاصة أن ترامب يواصل استراتيجيته القائمة على وضع إنذار أخير لمادورو، إما بالتفاوض على انتقال سلمي للسلطة وهو ما يرفضه مادورو حتى الآن، أو مواجهة تداعيات تصعيد عسكري قد يكون له عواقب وخيمة على المنطقة.

وعلى الرغم من الإجراءات القاسية التي اتخذتها إدارة ترامب، من التهديد العسكري المباشر واعتراض القوارب ومطالبة مادورو بالاستقالة الفورية، فإن استراتيجية "الضغط الأقصى" لم تحقق هدفها الحاسم بعد. فمادورو وبدعم من حلفائه الرئيسيين (روسيا والصين) يواصل التمسك بالسلطة، محولاً التهديدات الأمريكية إلى وقود دعائي لتعزيز رواية "التدخل الأجنبي".

وهكذا، بدلاً من حسم الصراع، يبدو أن واشنطن قد زادت من جمود الأزمة، وجعلت الحلول السلمية والتفاوضية تبدو أكثر بعداً، مع تزايد خطر تحول هذا التوتر إلى مواجهة إقليمية.