Gen-Z-212.. حركة احتجاجية شبابية تهزّ المغرب بمطالب اجتماعية
شهدت المملكة المغربية موجة احتجاجات شبابية عنيفة وغير مسبوقة، تقودها حركة رقمية مجهولة تُطلق على نفسها اسم "جيل زد 212" (Gen-Z-212).
هذه الحركة، التي اعتمدت على منصات التواصل الاجتماعي مثل 'تيك توك' و'ديسكورد' لحشد المحتجين في مدن متفرقة، رفعت شعارات اجتماعية تطالب بإصلاح التعليم والصحة ومحاربة الفساد.
وما بدأ كغضب على تدهور الخدمات تحوّل سريعاً إلى اشتباكات مع قوات الأمن. هذه التحركات المفاجئة وضعت السلطات أمام تحدٍ صعب: كيف تتعامل مع جيل جديد يرفض القنوات التقليدية للتعبير ويعبّر عن غضبه من أزمة البطالة والتباين في الأولويات الحكومية؟
من هم محتجو 'جيل زد 212'؟
حركة "جيل زد 212" في المغرب هي مجموعة شبابية احتجاجية لا مركزية تشكلت بشكل رئيسي عبر منصات التواصل الاجتماعي، وعلى الأخص منصة "ديسكورد".
وتتألف الحركة من شباب مغاربة ينتمون إلى "جيل زد" (Gen Z)، وهو الجيل المولود تقريباً بين عامي 1997 و2012، ويتميزون بكونهم جيلاً رقمياً يستخدم التكنولوجيا الحديثة للتواصل والتنظيم.
أمّا رقم 212 فهو رمز الاتصال الدولي (مفتاح الدولة) للمملكة المغربية، ويشير إلى الانتماء الوطني للحركة.

ترفع حركة "جيل زد 212" عديد الشعارات على غرار "الحرية، الكرامة، والعدالة الاجتماعية" و"الشعب يريد إنهاء الفساد".
جاءت هذه الاحتجاجات لتترجم الغضب الواسع الذي اندلع في البداية بسبب أوضاع المستشفيات وتدهور الخدمات الصحية في عدّة مدن، قبل أن يتسع ليشمل قضايا اجتماعية أعمق.
وفي هذا الصدد، أكد إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، في حوار لـ"فرانس24" أن الحركة هي "جزء من شرارة" ظهرت بعد غضب واسع من أوضاع مستشفيات، مشدداً على أن مطالبها الاجتماعية واقعية ومقبولة، وداعياً السلطات إلى ضمان الحق في التظاهر السلمي وحرية التعبير.
المطالب الأساسية لحركة "جيل زد 212"
تتركز المطالب الأساسية لحركة "جيل زد 212" حول أربع قضايا محورية:
فرص العمل: تطالب الحركة بتوفير وظائف لائقة للشبان المتخرجين الذين يواجهون صعوبة في إيجادها، مشيرين إلى وجود فجوة واسعة بين النمو الاقتصادي وبين توفير مواطن شغل كافية.
إصلاح التعليم: يطالبون بالإصلاح العاجل للتعليم العمومي، مؤكّدين أن النظام الحالي لا يؤهلهم بشكل فعال لسوق العمل، مما يحدّ من فرصهم في تحسين أوضاعهم الاجتماعية.
المنظومة الصحية: تدعو الحركة إلى إصلاح المنظومة الصحية وتحسين خدمات المستشفيات لمواجهة نقص الموارد والعاملين الحاد.
محاربة الفساد: تعدّ محاربة الفساد مطلباً مركزياً، حيث يهتف المتظاهرون بشعار "الشعب يريد إنهاء الفساد"، معتبرين أنه يُعيق التوزيع العادل للثروات والفرص.
هذا الشعور بعدم العدالة قد تفاقم، حسب اعتقادهم، بسبب تفضيل الإنفاق الرياضي الضخم (على كأس أمم أفريقيا والمونديال) على حساب الخدمات الاجتماعية الأساسية، في مخالفة واضحة لما يرونه "أولويات دستورية" تتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
دعوة لمقاطعة كأس الأمم الإفريقية بالمغرب
تزامنت مطالب المحتجين مع دعوات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة كأس أمم أفريقيا (الكان) التي ستنطلق نهاية العام القادم (ديسمبر 2025). واعتبر محتجو "جيل زد 212" أن تخصيص ميزانيات ضخمة لبرمجة مثل هذه المسابقات سيكون على حساب تحسين قطاعي الصحة والتعليم.
وانتقدوا ضخّ الحكومة للأموال في بناء الملاعب مقابل تجاهل القطاعات الحيوية، واصفين هذه المشاريع بـ"الاستعراضية". وقد ربط المحتجون بشكل مباشر بين تدهور نظام الرعاية الصحية والتعليم وبين الاعتمادات المرصودة لاستضافة هذه المحطات الكرويّة.
ويذكر أنّ مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2025 كشف أن خزينة المملكة خصصت للقطاع الرياضي، في إطار الإستعداد كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030 حوالي مليارين و128 مليوناً و924 ألف دولار أمريكيّ، لتأهيل البنى التحتية والمنشآت الرياضية.
كما انتشرت مقاطع فيديو للتضامن مع الحركة على منصّة "تيك توك" حققت ملايين المشاهدات في أيّام قليلة، وشارك العديد من المؤثرين والوجوه المعروفة في المغرب في هذه الفيديوهات.
واعتمدت هذه المجموعة الشبابية أسلوبًا مستحدثًا للإعلان عن أماكن وقفاتهم، حيث تعقد اجتماعًا رقميًا يوميًا عبر منصة "ديسكورد" عند العاشرة مساءً لتقييم احتجاجاتهم وتحديد خططهم المستقبلية.
تصاعد العنف بين المحتجّين والأمن
المظاهرات التي دعت إليها حركة "جيل زد 212" لأيام متتالية، انتهت باشتباكات مساء 30سبتمبر 2025 (في رابع أيامها) وذلك في مدن متفرقة على غرار تيزنيت، إنزكان، آيت عميرة، وجدة، وتمارة.
وأفادت وسائل إعلام محليّة أن مئات الشبان رشقوا قوات الأمن بالحجارة أثناء محاولتها تفريق المظاهرات، وتمّ تسجيل أعمال عنف استهدفت مركبات أمنيّة وسيارات مواطنين وأيضا فروعا بنكيّة. ونتيجة لذلك، تم إيقاف العشرات من الشبان، الأمر الذي دفع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى التنديد بهذه الاعتقالات واعتبارها غير قانونية.
الحكومة تبدي استعدادها للحوار
أعلنت الحكومة المغربية، المكونة من الأحزاب الثلاثة: التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، استعدادها للتجاوب الإيجابي والمسؤول مع المطالب الاجتماعية التي رفعتها المظاهرات الشبابية الأخيرة.
وأكدت الأحزاب الثلاثة في بيان رسمي أن الحوار والنقاش هو الطريق الأمثل لمعالجة المشكلات التي تواجه البلاد، مشيرة إلى أن طموح الشباب في الإصلاح يتوافق مع أولويات الحكومة، خاصة برنامجها الضخم لإصلاح قطاع الصحة الذي بدأت تنفيذه، لافتة إلى أن نتائجه لا يمكن أن تظهر على الفور نظرًا لحجم الإصلاحات المتزامنة.
كما أشاد البيان بـ"التفاعل المتوازن" للسلطات الأمنية مع المظاهرات وفقًا للقواعد القانونية، مشيرا إلى أنّ طموح الإصلاح الصادر عن الشباب يلتقي مع الأولويات التي تشتغل عليها الحكومة".

تُظهر حركة "جيل زد 212" أنها ليست مجرد موجة عابرة من الغضب، بل هي جرس إنذار اجتماعي واقتصادي عميق. فالمطالب التي رفعها الشبان، بدءاً من إصلاح القطاع الصحي وصولاً إلى أزمة البطالة التي تخنق ما يقرب من نصف شباب المدن، هي مطالب مبنية على واقع معيشي صعب تؤكده المؤشرات والأرقام الرسمية في المغرب.
*أميرة العلبوشي