من الاحتجاج إلى أزمة متصاعدة.. ما الذي يحدث في لوس أنجلوس؟
غضب شعبي، مظاهرات تجتاح الشوارع، لافتات وهتافات وسط مشهد آخذ في التصعيد في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، التي تشهد موجة احتجاجات متوصلة، منذ الأسبوع الفارط، على خلفية أحداث متشابكة سرعان ما تحوّلت إلى أزمة..
فمَعَ ارتفاع منسوب التوتّر، دخل الرئيس دونالد ترامب على الخط، ملوّحًا بتفعيل "قانون التمرّد"، بعد أمره بنشر الحرس ثمّ عناصر "المارينز"، في خطوات أثارت جدلًا واسعًا.
فكيف تحوّلت هذه الاحتجاجات من غضب إلى أزمة واسعة النطاق؟ وما هي تبعاتها؟..

نُقطة البداية..
بدأت الاحتجاجات إثر احتجاز أكثر من 40 شخصا في عمليات مداهمة للهجرة في جميع أنحاء لوس أنجلوس، مما أثار اشتباكات بين الضباط والمتظاهرين تحوّلت إلى أعمال عنف وأسفرت عن إلقاء الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع على الحشد.
وانطلقت الاحتجاجات بالتحديد في المدينة الصغيرة بارامونت، جنوب لوس أنجلوس، حيث خرج مئات الأمريكيين من أصل لاتيني للاحتجاج ضدّ سياسة ملاحقة آبائهم الذين لا يتمتّعون بإقامة قانونية.
احتجاجات لوس أنجلوس (جوان 2025)

ففي ما يتعلّق بمسألة الهجرة في الولايات المتحدّة، وخاصّة في ولايات الجنوب، فإنّ الأبناء الذين وُلدوا في الأراضي الأمريكية يتحصلون على الجنسية الأمريكية، بينما آباؤهم يعيشون في وضع غير قانوني مُعرضين للطرد. ولم تعد إدارة ترامب تستهدف فقط المهاجرين الذين وصلوا مؤخّرا إلى البلاد، بل الذين يقيمون منذ سنوات طويلة.
وتصاعدت التظاهرات يوم السبت 7 جوان 2025، لتمتد إلى قلب المدينة وأماكن أخرى، مما دفع ترامب إلى الأمر بنشر ألفيْ عنصر من الحرس الوطني، دون موافقة حاكم الولاية غافن نيوسوم، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ عام 1965، عندما نشر الرئيس الأمريكي ليندون جونسون الحرس الوطني دون طلب حاكم الولاية على إثر اضطرابات عرقية في حي واتس اندلعت بعد توقيف الشرطة شابا من أصول أفريقية.
ومرّة ثانية، عندما قام الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الأب بنشر الحرس الوطني في لوس أنجلوس عام 1992 في أعقاب اضطرابات تلت تبرئة 4 ضباط اعتدوا على أمريكي من أصول أفريقية. وكان القرار الرئاسي حينها بموافقة حاكم الولاية.
احتجاجات لوس أنجلوس (جوان 2025)

وبدأت عناصر الحرس، الأحد الماضي، الانتشار في لوس أنجلوس، ورافقتها قوات 'المارينز' بتوجيهات من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، فتجدّدت الاشتباكات أمام مركز الاحتجاز الفدرالي واستعملت قوات حفظ الأمن الرصاصات المطاطية والغاز المدمع ضدّ المحتجين، فضلا عن اعتقالها عددا منهم.
وأمر ترامب الاثنين، بنشر ألفي عنصر إضافي من الحرس الوطني إلى جانب نحو 700 من مشاة البحرية، رغم اعتراضات حاكم كاليفورنيا. كما أعلنت شرطة لوس أنجلوس حظر التجمع وسط المدينة.
أزمة تُجدّد صراع الديمقراطيّين والجمهوريّين حول الهجرة!
فتحت أحداث لوس أنجلوس جبهة جديدة من الانقسام بين الديمقراطيين والجمهوريين، حيث أعادت الجدل حول ملف الهجرة، إذ يرى الحزب الجمهوري أنّ ترحيل المهاجرين غير النظاميين أمر أساسي لحماية الأمن القومي، في حين يرى الحزب الديمقراطي أنّ النظام في حاجة لإصلاح شامل وأن معاملة المهاجرين يجب أن تحترم كرامتهم الإنسانية.
وصوّر ترامب الاضطرابات بأنّها "مؤامرة يسارية لتعطيل الدولة"، موجّها اتّهامات لحكام ديمقراطيين بأنّهم يتساهلون مع الفوضى.
واعتبر أعضاء ديمقراطيون في الكونغرس أنّ قرار ترامب بنشر الحرس الوطني "ترهيب سياسي" أدّى إلى عمليات أمنية "غير قانونية".
احتجاجات لوس أنجلوس (جوان 2025)

في المقابل، ندّد حاكم كاليفورنيا الديمقراطي غافين نيوسوم بشدة بقرار نشر عناصر المارينز في لوس أنجلوس. وكتب نيوسوم في منشور على منصة إكس إنّ "مشاة البحرية الأمريكية خدموا بشرف عبر حروب متعددة دفاعا عن الديمقراطية، ولا ينبغي نشرهم على الأراضي الأميريكية لمواجهة مواطنيهم لتحقيق خيال مضطرب لرئيس دكتاتوري".
وقال نيوسوم، إنّ إرسال المارينز محاولة من ترامب لـ "زرع مزيد من الانقسام" وإن قادة الولاية يتعاونون لتنظيف "فوضى الرئيس". ووصف القرار بأنّه "محاولة لزرع الانقسام"، واتّهم ترامب بالسعي لاستخدام الجيش ضد المواطنين، معتبرا أنّ "قادة الولاية يعملون على إصلاح فوضى الرئيس". وأكّد على أنّ الأمر في الولاية لا يتعلّق بالسلامة العامة بل بإرضاء غرور خطير للرئيس، حسب قوله.
خطوة ترامب تعد تجاوزا لصلاحيات الحكومة الفدرالية
ويعتبر حقوقيّون أميركيّون أنّ خطوة ترامب تعد تجاوزا لصلاحيات الحكومة الفدرالية، لأنّ "الوضع الأمني في لوس أنجلوس لم يكن خارج السيطرة"، كما لم تطلب الولاية أيّ تدخل لفرض الأمن، كذلك يعتبر بعضهم أنّ نشر الحرس الوطني يمكن أن يُفسَّر كاستخدام سياسي للقوة الفدرالية ضد ولايات معارضة.
احتجاجات لوس أنجلوس (جوان 2025)

علما وأنّ كاليفورنيا عارضت السياسات الفدرالية ''المتشدّدة'' للهجرة، وأعلنت نفسها "ولاية ملاذ" تقيّد التعاون بين شرطة الولاية ووكالات الهجرة في تعقب المهاجرين غير النظاميين الذين لا يرتكبون جرائم.
وقد تعهد مسؤولو كاليفورنيا، بمن فيهم الحاكم نيوسوم، بالدفاع عن حقوق المهاجرين، بغض النظر عن وضعهم القانوني، مؤكدين أن الولاية "لن تتحوّل إلى ذراع أمنية تابعة للعاصمة".
نشر الحرس و'المارينز'.. خطوة غير مسبوقة؟
الحرس الوطني هو قوة عسكرية موجودة في كل ولاية، عادة يتبع لحاكم الولاية، إلاّ في حال تحويله لقوة فدرالية كما فعل ترامب، ويستخدم استجابة للكوارث الطبيعية وحفظ النظام المحلي.
وفي حالة الاضطرابات الداخلية كما حدث في لوس أنجلوس، تتمتع السلطة الفدرالية بصلاحيات محددة لكنها مشروطة، خاصة فيما يتعلق بنشر قوات فدرالية مثل الحرس الوطني. إذ ينص الدستور الأمريكي على أنّ الأمن الداخلي مسؤولية الولايات، لكن الحكومة الفدرالية يمكنها التدخل لحماية النظام العام في حالات خاصّة.
الحرس - لوس أنجلوس (جوان 2025)

ويُعدّ الحرس الوطني أقدمَ عناصر القوات المسلحة الأمريكية، ويتألّف الآن من 325.000 جندي من كلّ ولاية من الولايات الخمسين، بالإضافة إلى ثلاثة أقاليم ومقاطعة كولومبيا، وفقًا لموقعه الإلكتروني، ويؤدي دورًا عسكريًا فريدًا، إذ يخدم المجتمع والوطن، كما يذكر الموقع، ومن الشائع أن نرى حكام الولايات يستدعون حرس ولاياتهم للاستجابة للكوارث الطبيعية.
ولكن يمكن استدعاء أفراده، وخاصةً ذوي المهارات الخاصة، للانتشار في مناطق النزاع، ويقول موقعه الإلكتروني: "يستجيب الحرس الوطني لحالات الطوارئ المحلية، ومهام القتال الخارجية، وجهود مكافحة المخدرات، ومهام إعادة الإعمار، وغيرها وأن الحرس الوطني متجاوب مع الحاكم ومستعد للدفاع عن الوطن في أي وقت وفي أي مكان".
احتجاجات لوس أنجلوس (جوان 2025)

ويشير موقع الحرس الوطني إلى أنّه أقدم من الولايات المتحدة نفسها بأكثر من 100 عام، وتعود جذور الحرس الوطني إلى عام 1636، عندما أمرت المحكمة العامة لمستعمرة خليج ماساتشوستس بتشكيل ثلاث ميليشيات للدفاع عن مصالح المستعمرة، ويُشير الموقع إلى أن أحفاد هذه الأفواج الثلاثة، التي تُعدّ الآن جزءًا من الحرس الوطني لجيش ماساتشوستس، يُعتبرون أقدم الوحدات في الجيش الأمريكي.
وبعد التجنيد، يخضع أعضاء الحرس الوطني لعشرة أسابيع من التدريب الأساسي، ثم من أربعة إلى تسعة أسابيع من التدريب التخصصي، وبعد التحاقهم بالحرس الوطني، يخدم أفراده، أو ما يُعرف بـ"التدريب"، لمدة عطلة نهاية أسبوع واحدة شهريًا وأسبوعين سنويًا، وفقًا للموقع، ويمكن أن تستمر فترة التجنيد الكامل لمدة ثلاث سنوات فقط.
المارينز.. شاركت جميع الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة وكانت ضمن الوحدات البرية الأولى التي دخلت العراق
أمّا قوات مشاة البحرية الأمريكية أو ما تعرف بـ"المارينز"، هي قوّة عسكرية مستقلة جزئيا، تندرج تحت إشراف البحرية الأمريكية، لكن هيكل قيادتها مشابه لهيكل الجيش، إلاّ أنّه يتبع "قاعدة الثلاثة"، ويشمل قوات مشاة البحرية وأجنحة الطائرات.
احتجاجات لوس أنجلوس (جوان 2025)

وتعني عبارة "قاعدة الثلاثة" أنّ الكابورال (رتبة عسكرية) لديه فريق إطفاء مكون من ثلاثة أشخاص، والرقيب لديه فرقة مكونة من ثلاثة فرق إطفاء، والملازم والضابط برتبة رقيب لهما فصيلة من ثلاث فرق، وهلم جرا، وصولا إلى الجنرالات. هذه القاعدة الوظيفية تفرض على الشخص أن ينصب انتباهه وتركيزه على ثلاثة مهام أو ثلاثة أهداف فقط. بحيث يتم تقليل الاحتمالات اللانهائية إلى ثلاث خطط عمل بديلة.
وتنقسم قوات المارينز إلى 4 مجموعات وهي: القوات العاملة التي تقوم بالقتال الفعلي، والمقر الرئيسي للقيادة، والمؤسسة الداعمة التي تقدم الدعم اللوجستي، وقوات مشاة البحرية الاحتياطية.
قوات مشاة البحرية الأمريكية "المارينز"

و"المارينز" متخصّصة في عمليات الإنزال البرمائي، مثل تلك التي تم القيام بها ضد الجزر التي كانت تحت سيطرة اليابان في المحيط الهادي خلال الحرب العالمية الثانية، ومكلفة إلى جانب القوات البحرية بالدفاع عن القواعد البحرية الأمريكية والاستيلاء على القواعد المتقدمة "للعدو" وتنفيذ العمليات البرية والجوية للحملات البحرية. كما أنّها مسؤولة عن توفير قوات الأمن لمنشآت البحرية الأمريكية على الأرض، وكذلك البعثات الدبلوماسية الأمريكية في البلدان الأجنبية.
وشارك مشاة البحرية الأميركية أو المارينز في جميع الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية، وكانوا في معظم الحالات في مقدمة جبهات القتال أو من بين الأوائل الذين خاضوا القتال. كما كانت قوة المشاة البحرية الأمريكية، ضمن الوحدات البرية الأولى التي دخلت العراق في أواخر مارس عام 2003 كجزء من عملية "حرية العراق".
احتجاجات لوس أنجلوس (جوان 2025)

ترامب على الخط مجدّدا.. ماذا يعني تفعيل 'قانون التمرّد'؟
مع تصاعد الاحتجاجات في شوارع لوس أنجلوس وانتقالها إلى مدن أخرى، دخل ترامب مجدّدا على خط الأزمة بتصريحات حادة، متهمًا السلطات المحلية بالتساهل مع "الفوضى"، وملوّحًا بإمكانية تفعيل "قانون التمرّد"، وهو قانون نادر الاستخدام يعود إلى عام 1807، ويمنح الرئيس صلاحية نشر القوات المسلحة داخل البلاد دون موافقة حكّام الولايات، في حال تعرّض الأمن العام للخطر.
وينص هذا القانون على أنّ يُمكن للرئيس سلطة تعبئة الحرس الوطني أو القوات المسلحة في حال وجود "تمرد" أو "خطر تمرد"، أو عندما تعجز السلطات المحلية عن تنفيذ القوانين الاتحادية أو ضمان الأمن العام. ويعود هذا القانون إلى عام 1807، وقد استخدم في عدة مناسبات تاريخية بارزة، أبرزها في عام 1957، حين أمر الرئيس دوايت آيزنهاور بنشر قوات الجيش لحماية طلاب سود من التمييز العنصري في مدينة ليتل روك بولاية أركنساس.
احتجاجات لوس أنجلوس (جوان 2025)

وفي ستينيات القرن الماضي، فعّل الرئيس ليندون جونسون القانون ذاته عامي 1965 و1967، لقمع اضطرابات عرقية شهدتها مناطق عدة من البلاد، في سياق تصاعد التوترات حول الحقوق المدنية والمساواة العرقية.
أمّا الاستخدام الأبرز والأخير لهذا القانون فكان في عام 1992، عندما طلب حاكم ولاية كاليفورنيا من الرئيس جورج بوش الأب التدخل بقوات الجيش لوقف أعمال شغب عنيفة اندلعت بعد تبرئة شرطيين ضربوا المواطن الأسود رودني كينغ.
وتبرر إدارة ترامب اللجوء إلى القانون بأنّ "الاحتجاجات الأخيرة تشكل تهديدا للنظام العام، وأن سلطات الولاية لم تعد قادرة بمفردها على تنفيذ القوانين وضبط الأمن، خاصة في ظل تصاعد العنف وتهديد المنشآت الفدرالية".
* إعــــداد: أمـــل منّاعــي