languageFrançais

ماسك يتّهم ترامب ويُعيد 'فضيحة إبستين' الجنسية إلى الواجهة.. التفاصيل

شهدت العلاقة بين الملياردير الأمريكي إيلون ماسك وورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب تحولاً لافتًا، من تقارب بدا وكأنه تحالف مصالح إلى صدام علني تخللته اتهامات متبادلة وتهديدات صريحة وتلميحات لاذعة.

هذا التحول لم يكن مفاجئًا تمامًا، بل كان تتويجًا لسلسلة من الأحداث والمواقف التي كشفت عن تضارب في المصالح والرؤى بين الاثنين، وظهر ذلك بشكل علني بعد ان انتقد "الملياردير العبقري" مشروع ترامب للضرائب والإنفاق ووصفه بالمقزز، معتبرًا أنه يتعارض مع جهود وزارة الكفاءة الحكومية (Department of Government Efficiency - DOGE).

ولم ينته الأمر على ذلك، بل انطلق ماسك في كشف ما وصفها بالحقائق زاعما أنه كان السبب في فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية في 2024، حيث غرّد قائلا "دوني كان ترامب سيخسر الانتخابات.. هذا نكران للجميل". كما أعرب عن تأييده لفكرة عزل الرئيس الأمريكي واستبداله بنائبه جي دي فانس.

لكن "المفاجأة الكبرى" كانت إعلان ماسك أنّ ترامب مذكور ضمن وثائق عدة تتعلق بقضية رجل الأعمال الأمريكي جيفري إبستين، المتهم بارتكاب جرائم جنسية واستغلال جنسي، وذهب إلى حدّ اتهامه بإخفاء وثائق تتعلق بهذه القضية بسبب ورود اسمه فيها.

من هو رجل الأعمال الأمريكي جيفري إبستين ؟

جيفري إبستين (Jeffrey Epstein)هو رجل أعمال أمريكي انتشر اسمه بسبب تورطه في فضيحة واسعة النطاق تتعلق بالاتجار بالجنس والاستغلال الجنسي للفتيات القاصرات.

بدأ حياته المهنية في مجال التمويل ثم أسس شركته الخاصة سنة 1981 المختصّة في تقديم خدمات إدارة الأموال لذوي الثروات الطائلة.

قدّرت ثروته بـ580 مليون دولار عند وفاته، مع استمرار ارتفاع قيمة بعض استثماراته لاحقًا. كما يمتلك عدة عقارات فاخرة حول العالم، بما في ذلك قصر في مانهاتن، ومزرعة في نيو مكسيكو، بالإضافة إلى جزيرتين خاصتين في جزر فيرجن الأمريكية (ليتل سانت جيمس وغريت سانت جيمس).

اُتهم إبستين بإدارة شبكة واسعة للدعارة واستغلال منازله وجزرته لارتكاب جرائم جنسية ضد فتيات قاصرات وتجنيد أخريات لتوسيع شبكته الإجرامية. 

 

شبكة استغلال جنسي هزّت أروقة النخبة العالمية

تُعدّ "فضيحة إبستين" من أكبر فضائح الاستغلال الجنسي التي هزت العالم وقد أثارت جدلاً كبيراً حول نفوذ الأثرياء وتورط شخصيات ذات شأن في شبكته.

وحملت القضية اسم صاحبها، رجل الأعمال الأمريكي الملياردير الذي اتُهم بإدارة شبكة دعارة واسعة، حيث كان إبستين يستغل نفوذه لارتكاب جرائم جنسية ضد قاصرات تتراوح أعمارهن بين 13 و17 عامًا.

وبدأت القضية تظهر للعلن في عام 2005، عندما وجّهت لإبستين تهمة ممارسة الدعارة مع قاصر. 

وفي 2008 أقر إبستين بالذنب حيال تهمتي استغلال قاصر للدعارة والتحريض على الدعارة قضى بموجبها 13 شهراً في السجن، معظمها كان يقضيها في إجازات عمل، ودفع تسويات مالية للضحايا. وقد أثارت هذه الصفقة غضباً واسعاً لكونها اعتبرت متساهلة للغاية بالنظر إلى خطورة التهم.

بعد سنوات تم الكشف عن وثائق أثبتت تورط الملياردير الأمريكي رفقة شخصيات بارزة في شبكته الإجرامية، ليُعاد اعتقاله في جويلية 2019 بتهم فيدرالية تتعلق بالاتجار بالجنس والتآمر للاتجار بالجنس.

 وكشفت التحقيقات في القضية عن شبكة واسعة، وثبت أنه كان يقوم بإغراء وتجنيد الفتيات القاصرات لممارسة أعمال جنسية معه ومع شركائه وكان يدفع للضحايا مئات الدولارات نقداً، ويحثّ بعضهن على تجنيد فتيات أخريات.

لكن سجنه لم يطل كثيرا، حيث تمّ العثور عليه ميّتا في زنزانته في سجن بمانهاتن بعد شهر واحد من القبض عليه وأثناء انتظاره المحاكمة، وخلص تشريح الجثة إلى أنه انتحر. 

وأثارت وفاته في السجن شكوكاً وتساؤلات حول ظروف وفاته، خاصةً مع وجود تقارير عن إصابات في رقبته وكسر في العظم اللامي (في مقدّمة الرقبة) مما أدى إلى انتشار إشاعات حول احتمال اغتياله لإسكات من قد يكشفهم.

كما تمّ القبض على غيلين ماكسويل وهي ابنة قطب الإعلام البريطاني روبرت ماكسويل باعتبارها كانت هي اليد اليمنى لإبستين والمسهلة الرئيسية لأنشطته. 

وقد أدينت في عام 2021 بتهم تتعلق بالاتجار والتآمر لمساعدة إبستين في جلب الفتيات القاصرات للاعتداء الجنسي والدعارة ونالت حكما بـ20 سنة سجنا.

وعلى الرغم من وفاته المثيرة للجدل في السجن عام 2019 إلا أن القضية لم تهدأ.. بل ظلت متفاعلة وأحدثت ضجة كبيرة في المجتمع الأمريكي والعالمي، خاصة مع استمرار الكشف عن تفاصيل جديدة وتورط شخصيات أخرى.

*غيلين ماكسويل شريكة إبستين

رفع السريّة عن وثائق والتحقيق متواصل..

في أوائل 2024، أصدرت القاضية الفيدرالية في نيويورك لوريتا بريسكا أوامرا برفع السرية عن مجموعة كبيرة من الوثائق المتعلقة بقضية التشهير التي رفعتها فيرجينيا جوفري (إحدى ضحايا إبستين) ضد غيلين ماكسويل. 

هذه الوثائق احتوت على شهادات وأسماء أشخاص كانوا على صلة بإبستين، سواء من الضحايا أو الشهود أو شخصيات بارزة زارته أو كانت على اتصال به.

وحظيت الملفات الأولى (حوالي 900 صفحة) بتغطية إعلامية كبيرة وتضمنت رسائل بريد إلكتروني وإفادات ومحاضر جلسات استماع وقوائم بأسماء أشخاص، وغيرها من المواد التي تلقي الضوء على أنشطة إبستين وشريكته غيلين ماكسويل مع شخصيات رفيعة المستوى من عوالم السياسة والأعمال.

ترامب يستخدم القضيّة في حملته الإنتخابيّة

تعهّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية سنة 2024 بالكشف عن الوثائق السرية المتعلقة بقضية إبستين، مرجّحا إمكانيّة نشر قائمة أسماء من قاموا بزيارة إبستين أو تعاملوا معه.

ورغم ورود اسمه في القضايا الأولى المرتبطة بالملياردير الأمريكي وانتشار صورة قديمة تجمعهما في منتجع مارالاغو بفلوريدا رفقة ميلانيا ترامب وغيلين ماكسويل، لكنّ "ساكن البيت الأبيض" نفى تورطه في أي نشاط مشبوه أو زيارته لـ"جزر فيرجن".

وبالفعل، وبعد تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة نشرت وزيرة العدل بام بوندي جزءا من الوثائق، مؤكدة التزام إدارة ترامب بالشفافية وكشف أفعال إبستين وشركاؤه. 

وأكّدت الوزيرة تلقّيها لنحو 200 صفحة بالإضافة إلى آلاف الوثائق الإضافية التي لم يُفرج عنها بعد، لكن عرض الوثائق لم يقدّم أي معطيات جديدة ولم يكشف عن القائمة التي وعد ترامب بتقديمها، كما أن المعطيات الواردة فيها كانت متداولة منذ سنوات.

قائمة المتورطين في الفضيحة الجنسيّة

ضمت "ملفات إبستين" أسماء العديد من الشخصيات البارزة من عالم السياسة والأعمال والفن والعلوم، لكن لم يتمّ بعد إثبات تورّطها في الجرائم المرتكبة إو علمها بأنشطة إبستين الخطيرة. 

من أبرز الأسماء المذكورة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون  الذي ذُكر أنه سافر على طائرة إبستين الخاصة عدة مرات لأغراض إنسانية، لكنه نفى علمه بأيّ من جرائمه، وأيضا الرئيس الالي دونالد ترامب.

كما ذكر الأمير أندرو دوق يورك وشقيق الملك تشارلز الثالث الذي واجه اتهامات مباشرة من أحد الضحايا بالاعتداء الجنسي عندما كانت قاصراً وتوصل إلى تسوية خارج المحكمة معها.

وضمّت القائمة أسماء أخرى على غرار السياسي الأمريكي آل غور الذي شغل منصب نائب الرئيس بيل كلينتون، وإيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، وبيل ريتشاردسون حاكم نيو مكسيكو الأسبق، وليز ويكسنر ملياردير أمريكي، وبيل غيتس مؤسس مايكروسوفت..

وأيضا عدّة مشاهير في عالم التمثيل والموسيقى مثل: كيفين سبيسي وليوناردو دي كابريو ومايكل جاكس وبروس ويليس وكاميرون دياز وكيت بلانشيت وناعومي كامبل..

 

تُعد قضية جيفري إبستين، بما حملته من تفاصيل صادمة وشخصيات بارزة، أكثر من مجرد فضيحة جنائية بل تعكس الجانب المظلم والعميق من السلطة والثروة. وبينما أسدل الستار على حياة إبستين بشكل مأساوي في السجن تظل تداعيات القضية متواصلة.

وهذه القضية لم تكشف فقط عن شبكة استغلال جنسي مروعة، بل سلطت الضوء أيضًا على الحاجة الملحة لتعزيز حماية القاصرين، ومحاربة الاتجار بالبشر وضمان الشفافية والعدالة للجميع بغض النظر عن مراكزهم الاجتماعية أو نفوذهم.

والأكيد أن تداعيات قضية جيفري إبستين التي تعدّ واحدة من أكبر فضائح الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي في التاريخ الحديث ستستمرّ خاصة مع استمرار الكشف عن المزيد من الوثائق وتواصل التحقيقات.

 

*أميرة العلبوشي