languageFrançais

من هُما رجلا 'الظلّ' و'الوساطة' في هدنة غزّة؟

كعادته، ما ينفك الاحتلال الإسرائيلي يضع العراقيل أمام أيّ تقدّم تشهده أيّ مفاوضات لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، منذ بدأ حرب الإبادة.

حرب، لم تتوقّف فيها آلة القتل الاسرائيلية وعدد الشهداء يتضاعف، حرب أحرقت الأخضر واليابس سُوّيت فيها المباني بالأرض وتحولت فيها البيوت إلى خراب.. أحزمة نارية وقصف ومجازر.. شهداء، أيتام وثكالى، نزوح وخيام وجوع، هكذا هي الحياة في غزة منذ عملية طوفان الأقصى.

سنة و8 أشهر من الحرب، انتظمت فيها جولات من المفاوضات وتنقل فيها قادة العالم بين العواصم من أجل التوصل الى اتفاق لإنهاء الحرب، ونجحت البلدان الوسيطة خلال هذه الجولات في التوصل لهدنة وحيدة امتدت 7 أيام في نوفمبر 2023، فيما انتكست جميع المحاولات بعدها، قبل أن يعود الحديث قبل أسابيع، عن مفاوضات جديدة من أجل التوصّل الى هدنة بمقترح ثان للمبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بعد فشل مقترحه الأول السنة الماضية رغم الخطوات الكبيرة التي عرفتها المفاوضات قبل أن يقلب الصهيوني نتانياهو الطاولة كعادته.

المفاوضات.. التسلسل الزمني

نوفمبر 2023، تم التوصل إلى صفقة تشمل هدنة إنسانية وتبادلا للأسرى، واستمرت تلك الهدنة 7 أيام جرى أثناءها إفراج حماس عن 110 أسرى إسرائيليين (معظمهم من النساء والأطفال) وإفراج الاحتلال عن 240 فلسطينيا (جميعهم من النساء والأطفال)، كما تم السماح بإدخال المساعدات الغذائية والوقود إلى القطاع.

سنة 2024، مرّت وسط مماطلات وشروط ورفض لمقترحات الوسطاء، أغلبها من رئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو. مفاوضات دارت 4 عواصم عربية وغربية، وهي القاهرة والدوحة وباريس وروما، دون أن تسفر عن أي اتفاق، وكالعادة بسبب الاحتلال الذي اعتبر أنّ 'طلبات حماس وهمية'.

وفسّر خبراء عسكريون أن نتنياهو أصرّ على مدار العام (2024) متعمداً على تعطيل الهدنة بهدف أن يتجاوز الانتخابات الأميركية حينها ويمنح حليفه دونالد ترامب مكسب إعلان صفقة وقف إطلاق النار وانجاح الهدنة.

جانفي 2025، تم الاعلان عن التوصل لاتفاق بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس على وقف إطلاق النار في غزة، بقيادة قطرية مصرية أمريكية. وكشف رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني حينها، أن اتفاق وقف اطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ يوم الأحد 19 جانفي من العام ذاته.

ثماني جولات من تبادل الأسرى بين الاحتلال وحماس، شهدتها الصفقة منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، الذي انتهكه الاحتلال أكثر من مرة، من خلال الاغتيال والقصف بشكل شبه يومي وعرقلة وصول المساعدات.

مرّ شهر مارس من سنة 2025، بين أخذ وردّ وبين الاتهامات بعرقلة الاتفاق، وتعليق تسليم الاسرى في اكثر من مناسبة، حيث أعلنت حماس تعليق إطلاق سراح الأسرى، بسبب انتهاكات الاحتلال، كالعادة، مما أدى إلى توجيه الرئيس الامريكي دونالد ترامب تهديدات لحماس، وفي 13 فيفري ألغت حماس تعليق تبادل الأسرى، مشيرة إلى أن الوسطاء المصريين والقطريين سيشرفون على الجوانب الإنسانية لاتفاق الهدنة.

صورة لعملية تسليم أسير اسرائيلي

وفي فجر يوم الثلاثاء 18 مارس 2025، شنَّ الاحتلال هجوماً جويًّا واسعاً على جميع أنحاء قطاع غزة، معلنةً بذلك انهيار وقف إطلاق النار قبل التوصل للمرحلة الثانية، واستئناف العدوان على غزة، وشنَّت طائرات الاحتلال عدواناً واسع النطاق أسفر عن استشهاد أكثر من 300 فلسطيني وجرح المئات في أول ثلاث ساعات، للتتواصل عمليات القصف والاغتيال والتكيل والابادة الى اليوم.

'ويتكوف' يظهر في الساحة من جديد...

في الاسابيع الماضية، قدّم المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط مقترحاً جديداً لوقف مؤقت لإطلاق النار في قطاع غزة، يمتد إلى 60 يوماً، تتخلله محادثات إنهاء الحرب بين الاحتلال وحماس، وسط تهديد من وزراء اليمين المتطرف الصهيوني بتفكيك التحالف إذا تم المضي في الاتفاق.

الأربعاء 28 ماي 2025، قالت حركة حماس إنها وافقت على مقترح ويتكوف الذي يحقق وقفاً دائماً لإطلاق النار، وانسحاباً كاملاً لقوات الاحتلال من قطاع غزة، وتدفق المساعدات، وتولي لجنة مهنية إدارة شؤون القطاع فور الإعلان عن الاتفاق.

لكن ويتكوف أعلن بعدها، أن بلاده على وشك إرسال ورقة شروط جديدة، ما يعني أنّ العرض الجديد الذي وصل إلى حكومة الاختلال والوسطاء لتسليمه إلى حماس، يختلف عن المقترح الذي أعلنت حركة حماس موافقتها عليه، ما يعني أيضا العودة الى النقطة صفر.

لكن بعد مباحثات عقدها رجل الأعمال الأمريكي بشارة بحبح مع قيادة حركة حماس، جرى التوصل إلى مقترح جديد يمهّد لوقف دائم لإطلاق النار، حيث سلّمت الحركة موافقتها عليه عبر بحبح، بحسب مصادر لـ"عربي بوست".

بشارة بحبح من هو؟

بشارة بحبح أكاديمي وناشط سياسي أميركي من أصل فلسطيني، ولد في القدس عام 1958. تابع دراسته الجامعية في الولايات المتحدة وحصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد.

يلقّب بحبح بـ'رجل الظل' الذي ساهمت وساطته 'الهادئة'، كما يصفها البعض، في إطلاق حماس للجندي الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر، بنفوذ واسع من خلف الأضواء لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والمسؤولين الكبار في إدارته.

بحبح يتوسّط ترامب ونائبه جيه دي فانس

ماذا يتضمّن المقترح الجديد:

وبالعودة للحديث عن الصفقة الاخيرة، فقد عرض بحبح المقترح الجديد على مكتب ترامب، وويتكوف الذي قام بدوره بإرساله بعد ذلك إلى جانب الاحتلال للرد عليه.

ويتضمن المقترح الجديد:

إطلاق سراح تسعة أسرى إسرائيليين و18 جثماناً، مقابل 125 محكوماً بالسجن المؤبد و1111 معتقلاً من غزة، و180 جثماناً من قطاع غزة، على مرحلتين خلال أسبوع.

الالتزام بوقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، يتم خلاله إجراء مفاوضات لإنهاء الحرب.

إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في نهاية المفاوضات، فقد يعود الاحتلال إلى القتال أو تواصل المفاوضات مقابل إطلاق سراح المزيد من الأسرى الإسرائيليين.

انسحاب قوات الاحتلال من المناطق التي سيطرت عليها بعد استئناف الحرب في مارس 2025.

المساعدات الإنسانية التي كانت توزع عبر الشركة الأمريكية ستعود لتكون تحت مسؤولية الأمم المتحدة.

في اليوم العاشر لوقف إطلاق النار، ستقدّم حماس قائمة كاملة تتضمن تقريراً مفصلاً عن حالة جميع الأسرى الإسرائيليين في غزة.

وفي حال تنفيذ الخطة، سيعلن الرئيس ترامب وقف إطلاق النار، وستكون الولايات المتحدة وقطر ومصر ضامنة للاتفاق.

ما هو رأي الصهاينة؟

لم يعرب الاحتلال حتى اليوم، عن موقفه من الاقتراح، ومع ذلك يتوقع مقربون منه أن يقوم بقبوله لأنه ليس بعيداً عن الخطة الأصلية التي وضعها ويتكوف، وفق وسائل اعلام مقربة من حكومة الاحتلال، والتي كشفت أن نتنياهو سيعقد مساء الخميس، القادم، اجتماعاً لبحث المقترح الجديد.

ستيف ويتكوف وبنيامين نتانياهو

كيف ردّت المقاومة؟

''المقترح الجديد سيئ، ويلتف على ما وافقت عليه حركة حماس مؤخراً''، هكذا كان ردّ قيادي  في الحركة، رفض كشف اسمه ''للعربي بوست''، معتبرا أنّ المقترح يتبنى بالكامل المطالب والشروط التي يفرضها الاحتلال، ولا سيما المتعلقة بعدم إنهاء الحرب، كما أنه انحاز للرؤية الصهيونية في ملف الأسرى ومعادلات وأثمان التبادل.

وفيما يخص المساعدات الإنسانية، فجاء طرحها مشروطاً "بما يتم الاتفاق عليه"، وليس استناداً إلى البروتوكول الإنساني كما في الاتفاق الأول في جانفي 2025، (أنظر أعلاه)، في محاولة واضحة لشرعنة التجويع واستمرار الحصار.

وأكد المصدر، أن الورقة لم تتضمن أي ضمانة واضحة لإنهاء الحرب، بل تركت الأمر لاتفاق "الطرفين"، ما يعني عملياً ترك القرار في يد المحتل الذي يتهرب من أي التزام حقيقي.

أما وقف إطلاق النار، فهو مؤقت لمدة 60 يوماً فقط، مع إمكانية التمديد بالاتفاق، أي من دون أي التزام أو ضمانة من الولايات المتحدة والوسطاء لاستمرار التهدئة ودخول المساعدات حتى يتم التوصل إلى وقف شامل للحرب وانسحاب كامل لقوات الاحتلال.

وأكد المصدر أن حركة حماس ستدرس المقترح الجديد وترد عليه رسمياً في الوقت المناسب، فيما ذهبت وسائل اعلام أمريكية الى أنّ مصير الهدنة بين يدي ''زعيم حماس الجديد.. فمن هو؟

صورة لكتائب القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية)

زعيم حماس الجديد... من هو؟

عز ّ الدين الحداد، الملقب بأبو صهيب، يبدو أنه زعيم حماس الجديد، وفق تقرير لصحيفة 'تايمز' الأمريكية، وهو مسؤول عن إعادة بناء البنية العسكرية والمدنية لحماس، ومن بين المهام الأخرى الموكلة إليه، هو التأكد من تسليم الأسرى لدى حماس بسلاسة وبدون مشاكل.

يبلغ من العمر 55 عاماً، واتجهت اليه الأنظار بعد استشهاد القائد 'الميت الحي'' السنوار كما كان يلقّب، عمل في البداية في الأمن الداخلي إلى جانب رفقيه المقرّب (السنوار) في مطاردة الفلسطينيين المتعاونين مع الاحتلال.

مصادر استخباراتية، أمريكية، تؤكّد أنّ الرجل المعروف محليا بإسم أبو صهيب يملك حق النقض أي 'الفيتو' على اقتراح وقف إطلاق النار، الذي اقترحه ويتكوف.

نجا، أبو صهيب، من ست محاولات اغتيال، وقيل إنه كُلِّف بتنسيق عملية التسلل الأولى إلى الأراضي الفلسطينة المحتلة في عملية طوفان الأقصى، حيث حشد القادة تحت إمرته في الليلة السابقة من أجل تلقي التعليمات لتنفيذ الهجوم.

إلى ذلك، عرف الحداد بحذره الشديد في اتصالاته، متجنباً الظهور علناً أو في وسائل الإعلام، لاسيما مع وجود مكافأة قدرها 750 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكانه.

فيما أفادت الاستخبارات الاحتلال بأن الحداد يغير مكانه باستمرار، ولا يثق إلا بقلة قليلة من الأشخاص خارج دائرته المقربة.

يُعدّ الحداد الذي استشهد ابنه الأكبر، صهيب، وحفيده في غارة للاحتلال في جانفي من العام الماضي، وابنه الثاني في أفريل من هذا العام، أحد آخر القادة المتبقين والوحيدين في الميدان بغزة.

عز ّ الدين الحداد (ببدلة عسكرية)

في الختام، ومع تصاعد وتيرة الدعوات المناهضة لحرب الابادة على غزة من أغلب دول العام، على المستويين الشعبي والرسمي، والدعوات للاعتراف بدولة فلسطين، يجد الاحتلال نفسه، محاصرا، بين حراك دولي وغضب شعبي، وسط تقارير عن أوضاع إنسانية صعبة، ومستويات غير مسبوقة من نقص المساعدات الغذائية والإغاثية، بعد 600 يوم من الحرب فهل يرضخ الصهاينة لهذه الضغوط ؟

*أميرة عكرمي