languageFrançais

تقرير استخباراتي حول تواجد تنظيم الإخوان المسلمين في فرنسا

ضجّت الأوساط السياسية والإعلامية في فرنسا مؤخرا بتقرير استخباراتي وُصف ب "الصادم"، بحسب طيف واسع من الشخصيات العامة والمسؤولين السياسيين في فرنسا، ويتعلّق بالإخوان المسلمين ومدى "تغلغلهم" في الحياة الفرنسية بمختلف أوجهها الثقافية والإجتماعية والتعليمية والمالية، إلى حدّ ذهاب عدد منهم وعلى رأسهم وزير الداخلية برونو روتايو ، بأنّ الإخوان المسلمين يعملون على فرض تطبيق الشريعة في فرنسا. وقد وجد هذا الطرح العديد من مؤيديه  لدى فئات واسعة من الطبقة السياسية ومن المثقفين.

ما الذي تضمّنه التقرير؟

التقرير الذي ورد في 76 صفحة، يذكر أنّ تنظيم الإخوان المسلمين "تغلغل"  في مختلف أوجه الحياة الفرنسية، عبر نشاطات مختلفة وعشرات الجمعيات إضافة إلى أماكن  العبادة والمدارس، نتاج 40 سنة من النشاط على التراب الفرنسي.

ويعتبر أنّ تراجع نفوذ التنظيمات السياسية والأحزاب التي تنتمي إلى الإخوان المسلمين في شمال أفريقيا  والتضييقات التي يجدها في دول المشرق، وتصنيفها كتنظيمات إرهابية في بعضها، جعلها تركّز جهودها على بعض دول أوروبا.

وخلص إلى أنّ الإسلام السياسي يهدف في نهاية المطاف إلى تغيير النظام السياسي والإجتماعي، عبر جمعية "مسلمو فرنسا" ( Musulmans de France)، التي اعتبرها التقرير ذراعا للإخوان المسلمين في فرنسا، وينشط في فلكها ما يزيد عن 280 جمعية.

ويشير التقرير إلى أنّ نفوذ الإخوان المسلمين يرتكز على دائرة ضيّقة محاطة بالسرية وتتهيكل في قيادة هرمية الشكل، تتألّف "نواتها الصلبة" من 400 شخص ولا يزيد عددهم في أقصى الحالات عن 1000 شخص.

ويلفت التقرير إلى "استراتيجيات تمويه" يعتمدها الإخوان المسلمون، خاصة في ما يتعلّق بمصادر التمويل الأجنبية المتأتية أساسا من بعض دول الخليج.

كما جاء ضمن الاستنتاجات "أنّ التنظيم يعتمد استراتيجية تمزج بين التمويه والسعي نحو الشرعية واستغلال الاضطهاد (الاسلاموفوبيا)"

كيف تفاعلت الحكومة والطبقة السياسية مع هذا التقرير؟

قرار نشر التقرير الاستخباراتي السري للعموم  اتخذ عقب اجتماع لمجلس الدفاع (Conseil de la défense)، بإشراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي طلب من الحكومة بلورة مقترحات في مستوى ما تضمّنه التقرير و"خطورة" ما جاء فيه.

متبنو الخطاب المعادي للمسلمين التقطوا هذا الحدث لاستخدامه كذريعة لتبرير أطروحاتهم التي طالما اعتبرت "مناهضة للإسلام"، وعلى رأسهم وزير الداخلية برونو ريتايو الذي لم يتردّ في إدانة الاسلام السياسي الذي ينتشر دون أن يحدث ضجيجا، على حدّ وصفه.

ومضى يقول إنّ الإسلام السياسي يهدد الجمهورية ويستهدف الوحدة الوطنية وأنّ هدفه النهائي هو فرض الشريعة في فرنسا.

ودعا وزير الداخلية الفرنسي المحافظين (Les préfets) إلى الحذر من كل مظاهر الزبونية (clientélisme) التي قد تظهر في القائمات الانتخابية في اطار الاستحقاق الانتخابي البلدي المقبل والمقرّر في مارس 2026، وخاصة في ضواحي باريس، والمدن الكبرى.

رئيسة الحكومة السابقة، التي تشغل حاليا حقيبة التربية، اليزابيت بورن،  ذهبت أيضا إلى طرح مشابه وإن بعبارات مختلفة، وقالت إنّ الإخوان المسلمين يعطون الإنطباع بأنّهم يتماهون مع قوانين الدولة لكنّهم في نهاية المطاف يسعون إلى استلام الحكم  وفرض الشريعة.، حسب قولها.

هل هي حلقة جديد من معاداة الإسلام والمسلمين في فرنسا؟

لكن منتقدي التقرير، يرون أنّ وزن 280 جمعية ذات "التوجّه الإخواني" لا يقارن بما يزيد عن مليون جمعية تنشط في فرنسا، كما أنّ أماكن العبادة المرتبطة بالإخوان في فرنسا ودائرة نفوذها تبقى محدودة جدّا (130 مكان للعبادة من جملة 2700 في كامل التراب الفرنسي). 

ويرون أنّ هذا التقرير يصدر في إطار سياق "معاد للإسلام والمسلمين" وانتشار خطاب "الكراهية ضدّ المسلمين" في فرنسا، الذي لا يكاد يهدأ حتى يعود مجدّدا من منطلقات مختلفة، فمرّة الحجاب ومرّة المدارس الإسلامية وأخرى في علاقة بالطعام الحلال، وغيرها من المسائل.

ويمضي نشطاء سياسيون إلى اعتبار التقرير بأنّه يتضمّن مبالغة غير مبرّرة، ويرون بأنّه يمثّل حلقة جديدة من العداء للمسلمين عموما في فرنسا. 

المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) حذّر في بيان من أنّ التقرير قد يغذي "الشك الدائم" تجاه المسلمين في فرنسا، وعبّر عن "قلقه العميق" من الانحرافات التي قد يثيرها التقرير واستعمال المعطيات التي تمّ نشرها خاصة في علاقة بأماكن العبادة والأشخاص.

جان لوك ميلانشون رئيس حزب فرنسا الأبية (أقصى اليسار) قال: "هذه المرّة معاداة الإسلام تتخطى عتبة أخرى. مجلس الدفاع حول الرئيس يعتمد الأطروحة الوهمية لبرونو ريتايو و لوبان."، متابعا: "كفى ستدمّرون بلادنا".

لكن تساؤلات رافقت صدور هذا التقرير تعلّقت بتوقيت نشره الآن رغم أنّه كان متاحا لدى الحكومة من قبل، وما إذا كانت لا تعلم حقيقة مدى تواجد تنظيم الإخوان المسلمين على النحو الذي جاء في التقرير. 

شكري اللّجمي