قُتِل خلال اشتباكات طرابلس.. من هو غنيوة الككلي؟
شهدت العاصمة الليبية، مساء أمس الاثنين، حالة من التوتّر وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في ليبيا بتقارير وصور عن الأحداث التي شهدتها العاصمة طرابلس والاشتباكات بين جماعات مسلحة، بعد إعلان حكومة الوحدة الوطنية عن بدءِ عملية عسكرية انتهت بمقتل رئيس جهاز دعم الاستقرار عبد الغني الككلي المعروف بـ"غنيوة الككلي"، اليوم الثلاثاء.
ويمثل غنيوة الككلي، أحد رجال الميليشيا البارزين في العاصمة الليبية، وصاحب نفوذ على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية، فمن هو الككلي؟

ولد في بنغازي وكان يعمل بمخبز العائلة
وُلد عبد الغني بلقاسم خليفة الككلي، في مدينة بنغازي، وانتقل وعائلته في سن مبكرة إلى العاصمة الليبية طرابلس، حيث استقر في حي أبو سليم، أحد أكبر أحياء المدينة. انقطع عن الدراسة في سن مبكرة، وعمل في مخبز العائلة في منطقة أبو سليم، ''قبل انخراطه تدريجيا في أنشطة تجارية غير مشروعة''، حسب موقع الجزيرة.
وبحسب مصادر عدة، تورط الككلي في أنشطة غير قانونية وقضى نحو 14 عاما في السجن عقب إدانته في جريمة قتل، وأفرج عنه بعد أحداث 17 فيفري 2011، ليقوم بعدها بتشكيل ميليشيا في منطقة أبو سليم عام 2011 وجعلها معقلاً له.
أحداث الثورة الليبية عام 2011
بعد الإفراج عنه في أحداث الثورة الليبية عام 2011، انضمّ الككلي إلى صفوف الثوار ضدّ نظام 'معمر القذافي' في حيّ أبو سليم، جنوب العاصمة طرابلس، ورغم أنه لم يكن ضابطا في الجيش الليبي، فإنه تمكن من تشكيل مجموعة مسلحة محلية أسهمت في بسط السيطرة على أجزاء واسعة من المدينة، مستفيدا من الفراغ الأمني والسياسي الذي خلّفه سقوط النظام وانهيار الدولة المركزية، وفق ما نقله موقع الجزيرة.
أسس الكيكلي "كتيبة أبو سليم"، وهي واحدة من أقوى الكتائب المسلحة في طرابلس، أوكلت لها مهام حفظ الأمن في منطقة أبو سليم ومحيطها.
واضطلعت الكتيبة بدور بارز في فرض النظام على المستوى المحلي ومواجهة الجريمة المنظمة، إلاّ أنّها في المقابل وجهت لها اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية وسوء معاملة السجناء.
لاحقا، انخرط الككلي في تحالفات مع كتائب أمنية أخرى، كما دخل في صراعات مع مجموعات مسلحة منافسة، وأصبح جزءا من شبكة معقدة من القوى المسلحة المتنازعة على السلطة في طرابلس.
وفي إطار محاولات الدولة الليبية لاحتواء المليشيات ودمجها داخل مؤسساتها الرسمية، تولى الككلي رئاسة جهاز دعم الاستقرار، الذي أنشأته حكومة الوفاق الوطني في جانفي 2021.
ورغم أنّ الجهاز تأسس رسميا للعمل تحت سلطة الدولة، فإنه واقعيا حافظ على استقلالية كبيرة، ولم يكن إلا امتدادا لنفوذ "غنيوة" بغطاء رسمي، وفقا لما ذهبت إليه تحليلات عديدة تناولت الوضع الأمني في ليبيا، حسب المصادر ذاتها.
وكشف موقع "أفريكا إنتليجنس" الفرنسي، أن عبد الغني، قاد وطوّر شبكة أعمال واسعة في العاصمة الليبية وحقّق تقدمًا في قطاع النفط. وأشار التقرير إلى تحوّل الككلي بمرور السنين من مجرد عنصر رئيسي في أجهزة أمن طرابلس إلى رجل أعمال بارز، حيث عمل على الحفاظ على موقعه في أروقة السلطة.

علاقته بالحكومة
بدأت العلاقة بين الككلي وحكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج عام 2021، حيث تولى حينها رئاسة جهاز دعم الاستقرار، وهو جهاز شملت صلاحياته حماية المقرات الرسمية وتأمين الشخصيات العامة والمشاركة في العمليات العسكرية، كما سبق وذركنا أعلاه.
ونتيجة ''ولائه'' للحكومة، تمكن الككلي من توسيع نفوذه خارج طرابلس، وصولا إلى مدينتي غريان جنوب العاصمة وزليتن شرقها، وارتبط اسمه بعدد من الاشتباكات المسلحة غربي البلاد.
أصدقاء الأمس أعداء اليوم
وبرز نجم الككلي أكثر بعد تقرّبه من الدبيبة وعقده لتفاهم معه ''بأن يسمح له بتثبيت حلفائه في مناصب استراتيجية، على أن يقدم له الككلي الحماية والدعم في طرابلس في المقابل''، وفق التقرير الفرنسي ذاته.
وقد "ساعد هذا التفاهم على توسيع نفوذ الككلي بشكل أكبر، وسيطر على هيئة أمن المرافق الحكومية، الجهة الوحيدة المخولة بالإشراف على النقل الآمن للأموال النقدية بين البنوك الرائدة في منطقة طرابلس ومصرف ليبيا المركزي".
كما تمكن الككلي من تعيين أحد أبرز مساعديه، على رأس مديرية مكافحة الهجرة غير الشرعية، التي تتولى إدارة مراكز احتجاز المهاجرين. وهو موقع بالغ الحساسية، ''ارتبط لاحقاً باتهامات متكررة بضلوع الككلي ومقربين منه في شبكات الاتجار بالبشر، التي وفّرت لهم موردًا ماليًا ضخمًا من خارج الإطار الرسمي''، حسب ما نشره موقع أخبار ليبيا.

وأفاد الموقع ذاته بأنّ العلاقة تعقدت بين الرجلين في الأشهر الأخيرة بسبب مطالب الككلي المستمرة بالحصول على مزيد من المناصب لصالح حلفائه، كما أصبح تأثير الككلي الذي امتد أيضًا إلى الجانب المالي، يهدّد سيطرة الحكومة، حيث شرع في بناء شبكة علاقات تسمح له بالوصول إلى عقود عامة وخطابات اعتماد مصرفية، ما منحه بوابة للوصول إلى العملة الأجنبية، وجعل منه فاعلاً اقتصادياً موازياً داخل طرابلس.
وبحسب التقارير ذاتها، فإن الصدام بين الدبيبة وغنيوة الككلي المتفاقم منذ أكتوبر الماضي تصاعد بشكل كبير بعد قرار دبيبة بصفته رئيس الجمعية العمومية للشركة القابضة للاتصالات، بإيقاف رئيس مجلس إدارة الشركة، صلاح الدين الناجح، عن العمل، وتكليف نائبه، يوسف ابراهيم حسين، بتسيير مهام مجلس الإدارة، وما تلاه من اقتحام رجال غنيوة لمقر الشركة العامة للاتصالات القابضة وسط طرابلس، والقبض على رئيس مجلس إدارتها، ما دفع لتأزم الوضع بين الجهاز وحكومة الدبيبة.
وبمجرد تداول الأنباء عن مقتل غنيوة الككلي، نشر الدبيبة على منصة إكس، "إشادة" بما حدث وقدم "تحياته لوزارتي الداخلية والدفاع، وجميع منتسبي الجيش والشرطة"، على ما حققوه من إنجاز كبير في بسط الأمن وفرض سلطة الدولة في العاصمة، بحسب وصفه.
وأشار الدبيبة إلى أن العملية جاءت بهدف "ترسيخ مبدأ ألّا مكان في ليبيا إلا لمؤسسات الدولة، ولا سلطة إلا للقانون".

قتل أم اغتيال؟
تباينت الروايات المتعلقة بمقتل غنيوة الككلي وبعض حراسه في معسكر التكبالي، التابع للّواء 444، بقيادة محمود حمزة، وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي صور الككلي وثلاثة من حراسة قتلى.
حيث تبنّت بعض التقارير رواية مقتل الككلي جراء اشتباك مع قيادات جماعات مسلحة من مدينة مصراتة وطرابلس، أثناء مباحثات لخفض التوتر وتجنب الاشتباكات المسلحة، إلا أنّ المناقشات تطورت بين القيادات المجتمعين لتتحول إلى اشتباكات بين الحراس وسقط فيها الككلي قتيلاً مع حراسه.
بينما كان هناك رواية أخرى للأحداث، تمثلت في اغتيال الككلي ومرافقيه في "كمين" أعده آمر اللواء 444، محمود حمزة، بالتنسيق مع قيادات من مصراتة، واستدرجوه إلى معسكر التكبالي بزعم إجراء مباحثات بينهم، ليتم اغتياله فور دخوله المعسكر في كمين محكم. ولم يتسنَ التأكد من كلا الروايتين، حسب موقع بي بي سي.