languageFrançais

تراكم النفايات بصفاقس: أزمة بيئية.. وغياب للحلول

تعيش صفاقس تحت خطر بلوغ الوضع البيئي مستويات كبيرة من الخطورة، جراء إشكال النفايات المنزلية وتراكم القمامة بعديد المناطق البلدية ولا سيما بمنطقة صفاقس الكبرى التي تعد 7 بلديات وهي صفاقس وساقية الدائر وساقية الزيت والشيحية وقرمدة والعين وطينة.

وقد ارتفعت منذ مدة نداءات الاستغاثة من المسؤولين البلديين ومن الجمعيات البيئية والمجتمع المدني والاهالي لمطالبة سلطة الاشراف بالقيام بدورها في توفير مصب لهذه النفايات يساهم في الحفاظ على البيئة ونظافة شوارع وساحات المناطق البلدية ويخلص المتساكنين من رؤية اكوام القمامة المنتشرة في كل مكان ومن روائحها الكريهة، لكن يبدو انه لا افق قريب لحلحلة المشكل ما لم تقم الدولة اولا بواجباتها تجاه هذه الولاية.

لننطلق اولا فنقول، إن مشكل النفايات لا يتعلق بصفاقس وحدها وانما هي ازمة تعاني منها مختلف جهات الجمهورية غير انه في عاصمة الجنوب يزداد الامر حدة لعدة اسباب منها ان صفاقس تعد اكثر من مليون و200 الف نسمة معظمها تعيش بمنطقة صفاقس الكبرى التي تتميز بالكثافة السكانية وملاصقة معتمدياتها لبعضها البعض وكثرة الاسواق والمساحات بها وتقدر كمية النفايات المنزلية بالولاية يوميا اليوم بحوالي 650 طنا يوميا نصفها تقريبا من نصيب بلدية صفاقس.

كما ان الامر يزداد حدة ايضا باعتبار ان المصب الجهوي المراقب بالقنة في معتمدية عقارب الذي دخل في طور الاستغلال منذ افريل 2008 بلغ طاقة استيعابه القصوى اولا كما انه شهد في عدة مناسبات طيلة السنوات الاخيرة اعتصامات واحتجاجات من اهالي عقارب مطالبين بغلقه، حيث نظموا عديد التحركات ومنها حراك ' مانيش مصب  'رافضين بقاء الامر على ما هو عليه ورافضين ايضا لأي حديث عن تثمين الفضلات، قائلين ان معتمديتهم تتعرض الى ''ارهاب بيئي'' كلفها انتشار عديد الامراض المدمرة جراء التلوث والغازات المنبعثة من المصب ونجح الاهالي وحراكهم في الحصول على قرار قضائي بالغلق من محكمة الناحية بعقارب بتاريخ  11 جويلية 2019 حيث أذنت فيه المحكمة بالتوقف الفوري عن استعمال مصب القنة لتجميع الفضلات نظرا للأخطار التي يشكلها على صحة المواطنين وتهديد حقهم في التمتع ببيئة سليمة نص عليها الدستور.

عدم اعداد مصب بديل الى الان

في ظل بلوغ المصب الجهوي المراقب بالقنة او اقترابه من بلوغ طاقة الاستيعاب القصوى من ناحية وفي ظل تمسك اهالي عقارب والمجلس البلدي بها بغلق هذا المصب وكثرة الاعتصامات التي تعطل شاحنات نقل القمامة ومنعها من الوصول اليه كان حريا بالوكالة الوطنية للتصرف في النفايات ان تعد البديل المناسب والطرق المناسبة للتعاطي مع النفايات والانتقال من مرحلة ردم النفايات الى مرحلة معالجتها وتثمينها لا سيما وان هذه الوكالة التي تم احداثها بمقتضى الامر عدد 2317 المؤرخ في 22 اوت 2005 من مهامها المساهمة في اعداد البرامج والاستراتيجية الوطنية في ميدان التصرف في النفايات ومساعدة البلديات على التصرف فيها، ومتابعة تطوير برامج ونظم جمع ورسكلة وتثمين النفايات وانجاز المشاريع وتنفيذ الإجراءات الواردة بالبرامج الوطنية للتصرف في النفايات واستغلال وصيانة المنشات المتعلقة بالنفايات الصناعية والخاصة،  وتطوير الشراكة بين جميع المتدخلين وخاصة بين الجماعات المحلية والصناعيين والمساعدة في البحث على التمويلات الضرورية في إطار التعاون الدولي لتنفيذ البرامج وانجاز المشاريع.

وكان هناك حديث عن بعث مركز لتثمين النفايات بضيعة مرزوق بمعتمدية المحرس وهو عقار دولي احالته وزارة املاك الدولة الى وزارة البيئة ليكون مركزا لتثمين النفايات بديلا للمصب الجهوي المراقب بالقنة في معتمدية عقارب وتحدثت لنا مصادر ان هذا ملف المشروع موجود لدى اللجنة العليا للصفقات ولم يتم التقدم فيه الى حد الان وهذا اولا، واما ثانيا فان عديد اهالي وممثلي مكونات المجتمع المدني بمعتمدية المحرس عبروا منذ اكثر من سنة عن رفضهم القطعي للمشروع ونفذوا بتاريخ 7 مارس 2020 وقفة احتجاجية في الغرض أمام مقر قصر بلدية المحرس رفعوا خلالها عديد الشعارات منها " يد في اليد ... المحرس موش مصب" و" لا لمصب الموت ولا لتلويث بحر وهواء وغابات المحرس "   

واعتبرت مكونات المجتمع المدني ان المشروع المزمع إحداثه يتعارض مع تصنيف بلدية المحرس ضمن البلديات السياحية.

نداءات الاستغاثة في مهب الرياح وتعمق الاحساس بالمظلومية

اذن جراء غلق المصب الجهوي بعقارب وعدم ايجاد سلطة الاشراف لمصب او مركز بديل لتثمين النفايات اصبح الوضع البيئي بصفاقس على مشارف كارثة كبيرة لا تبقي ولا تذر اغضبت الاهالي وعمقت لديهم الاحساس بالمظلومية والتهميش و" الحقرة " وبانهم على الهامش في اهتمامات السلطة المركزية، لا سيما وان صفاقس تشهد منذ زمن بعيد تعطلا كبيرا على مستوى انجاز مشاريعها الكبرى رغم مساهمتها بشكل كبير في دعم المالية التونسية من خلال الجباية كما ان هذه الولاية تعيش منذ اوائل اوت الماضي من دون وال بعد الاقالة الفجئية للوالي السابق انيس الوسلاتي وعدم تعويضه الى حد الان.

وبدت السلط المحلية ممثلة في البلديات في وضع لا تحسد عليه في مسالة التعاطي مع النفايات المنزلية فوظيفتها ومسؤوليتها هي رفع الفضلات وتجميعها ثم نقلها الى مراكز التحويل وليس من اختصاصاتها التصرف ولا تثمين النفايات التي تبقى من مشمولات الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، وفي ظل غلق مصب القنة بعقارب اصبحت هذه البلديات عاجزة عن الحراك لتتكدس اكوام القمامة حاليا بمعتمديات صفاقس الكبرى على وجه الخصوص، حيث اطلق رؤساء هذه البلديات نداءات استغاثة الى سلط الاشراف للتحذير من الكارثة البيئية المحيطة بصفاقس ووجهوا كذلك رسائل الى رئيس الجمهورية لوضعه في الصورة، وفي هذا الاطار طلبت رئيسة بلدية قرمدة من رئيس الجمهورية التدخل الفوري لإنقاذ المنطقة مما آل إليه الوضع البيئي من تدهور خطير جراء تراكم الفضلات المنزلية في الشوارع  والأنهج وذلك نتيجة الغلق الفجئي والمتواصل للمصب الجهوي المراقب بعقارب الذي أصبح خارج الخدمة منذ 27 سبتمبر2021 واوضحت أن مسؤولية إدارة هذه المصبات تعود إلى وزارة البيئة وتحديدا الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات وان بلديات الجهة قامت منذ 2018 بكل لإيجاد حل مع السلط الجهوية والمركزية استباقا لما يمكن  أن يحدث جراء استحالة استغلال هذا المصب.

وقالت ان أزمة رفع الفضلات بمنطقة قرمدة اصبحت مضاعفة لكونها منطقة عمرانية بامتياز مع غياب الامتدادات الجغرافية التي تمكنها من التصرف في النفايات خارج مناطق العمران على غرار البلديات الأخرى وهو ما ترتب عنه تراكم أكداس القمامة وحرق الفضلات والحاويات وتكاثر الحشرات الأمر الذي تسبب في ضرر صحي واضطراب في النظام العام بالمنطقة.

كما دعا رئيس بلدية صفاقس وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي إلى ضرورة عقد جلسة عمل طارئة لبحث أزمة النفايات المنزلية بصفاقس وللعمل على ايجاد حلول عاجلة لتفادي اشتداد وقع الكارثة البيئية  .

علما بان المجلس البلدي في صفاقس كان اتخذ عقب اجتماع استثنائي وعاجل يوم 5 أكتوبر 2021 قرارا باحداث نقطة تجميع مؤقتة للفضلات بالمصب الكائن بطريق الميناء الى حين ايجاد حل جذري لمسألة النفايات واعادة فتح المصب المراقب ونقل كل الكميات المجمعة اليه ووجه اعلاما بهذا القرار الى كل السلط المعنية ومنها وزارة الشؤون المحلية والبيئة والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات والوكالة الوطنية لحماية المحيط الى جانب مراسلة رئاسة الجمهورية في الغرض وهو قرار مكن من رفع الفضلات المتراكمة في كل المناطق التابعة لبلدية صفاقس مقابل تواصل ازمة تكدس النفايات ببقية البلديات المجاورة التي لم تتوفر لها اماكن تجميع وقتية.

الحاجة الملحة الى انقاذ الوضع البيئي في اسرع وقت  

كما اسلفنا الذكر اصبحت بلديات صفاقس في وضع صعب وبين المطرقة والسندان فالبعض يحملها مسؤولية تراكم الفضلات والنفايات المنزلية بالشارع والساحات على اعتبار انها مسؤولة عن نظافة وتجميل مناطقها والبعض الاخر يتسلى بالنفخ في كير المشكل البيئي لادامة الاحتقان في حين ان الخطر محدق بالولاية الثانية في الجمهورية وعاصمة الجنوب والمسؤولية ملقاة على عاتق جميع المسؤولين جهويا ووطنيا للتعاطي السريع وبروح المسؤولية مع هذا المشكل البيئي من اجل ايجاد حلول عاجلة وانية تكفل الحد من الكارثة البيئية في انتظار ايجاد البدائل المناسبة بمراكز معالجة وتثمين النفايات وطالبت مكونات من المجتمع المدني بتركيز منصة حوار تهتم بوضع استراتيجيات على المدى المتوسط والبعيد لمنظومة التصرف في النفايات وتحويلها من مشكل وازمة الى مصدر لخلق الثروة.

لكن اولى الاولويات الان رفع الفضلات المنتشرة بالشوارع والساحات في المناطق البلدية وتمكين البلديات سريعا من مناطق تصلح للتجميع المؤقت حتى يرفع عنها الحرج وتقوم بتنظيف مناطقها مع ان البعض يرى ان الامر صعب جدا الا في صورة فتح المصب المراقب بالقنة وقتيا وبحث سبل رفع طاقة استيعابه مع التقليل من الانبعاثات السامة بمعالجة مشكلة الروائح ومياه الرشح ومواصلة برنامج استخراج الغازات بما يضمن ايقاف كل الازعاجات وحماية المناطق المحيطة بالمصب ومدينة عقارب وهذا يقتضي ضرورة الحوار والتنسيق مع المجتمع المدني في عقارب وحق اهالي عقارب في التنمية وفي العيش في بيئة سليمة.

ولعل الامر اكثر بيد سلطة الاشراف والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات التي تعلم بأن قرار غلق المصب الجهوي المراقب بالقنة تم اتخاذه منذ السنة الماضية وتم تحديد 31 ديسمبر 2021 كتاريخ للغلق النهائي ومع  ذلك لم تقم بالخطوات الاستباقية اللازمة لاعداد البدائل  .

 فتحي بوجناح