languageFrançais

راع آخر يفقد ساقه في منطقة يُخيّر سكانها بين الجوع والألغام

لا زالت القصرين تدفع ثمن جغرافيتها التي فرضت عليها تواجد عشرات الإرهابيين في جبالها الشاسعة، ما فرض على ولاية جادت و ما تزال، بقافلات لا محدودة من  الشهداء والجرحى، أن تعيش على وقع تطورات أمنية متواصلة.

أصوات دكّ المدافع للجبال الذي يسمع في كل مدن وقرى القصرين بات حدثا روتينيا، واستشهاد رعاة أو بتر أقدامهم جراء انفجار ألغام زرعتها عصابات الإرهاب أمسى خبرا متداولا وواقعا معاشا.

تجمّع مئات المواطنين اليوم الخميس 23 جانفي 2020 أمام قسم الاستعجالي بالمستشفى الجهوي بالقصرين لاستقبال راع جديد بترت ساقه في عمق جبل الشعانبي، وسط أجواء مشحونة، ليلتحق فرحات قاهري (65 سنة) بقافلة عشرات الرعاة من متساكني مرتفعات القصرين، الذين استهدفتهم ألغام الإرهاب في مجال هو في الأصل ملك للمواطنين ومتنفس حيوي بالنسبة لهم، قبل أن تسكنه عصابات التفجير والتكفير.

المواطنون القاطنون في هذا المجال الجبلي يفتقدون في معظمهم إلى ضروريات العيش الكريم من طرقات وماء صالح للشرب ومؤسسات استشفائية وخدمات إدارية. وهم مجبرون على اللجوء إلى التسلل إلى داخل مناطق العمليات العسكرية لكي يتمكنوا من توفير قوتهم اليومي.

فالإمتثال إلى عدم الدخول إلى مناطق كانت تمثل موارد عيشهم الأساسية، وصارت مناطق عسكرية مغلقة في وجوههم، وبقاؤهم في منازلهم ، يفوت عليهم فرص رعاية أغنامهم أو الحصول على الحطب وهي موارد الرزق الوحيدة لآلاف العائلات بمرتفعات القصرين، وهذا ما صرحوا به لموزاييك.

قيادات أمنية وعسكرية تحدثت لهم موزاييك في مناسبات عديدة سابقة أكدت أن الحرب على الإرهاب تقتضي رعاية ضعاف الحال في هذه المناطق حتى تتمكن وحداتنا العسكرية والأمنية بالعمل بأكثر أريحية في المناطق العسكرية المغلقة لأن تسلل المواطنين لدواخل الجبال بحثا عن موارد رزقهم من خيرات الجبال قد يعرض حياتهم للخطر الإرهابي وقد يعطل عمل القوات الحاملة للسلاح في هذه المناطق أيضا.

وإن نجحت قواتنا الأمنية والعسكرية عبر استراتيجياتها في الحرب على الإرهاب، في الحد من الخطر الإرهابي في تونس عبر القضاء على عشرات الإرهابيين وملاحقتهم في السهول وفي الجبال، فإن استراتيجية سياسية باتت ضرورية اليوم  بشكل ملحّ لحماية سكان المناطق الجبلية وخصوصا الرعاة منهم، عمودها الفقري يكون تنمويّا بالأساس، حتى لا نرى مواطنين مجبرين على الإختيار بين الموت جوعا أو بألغام وخناجر الإرهاب.

 

برهان اليحياوي.