languageFrançais

أمطار الفواجع في مطماطة.. أسبوع بعد الكارثة

ليلةَ الجمعة 10 نوفمبر 2017، لم تكن الحالة  عاديّة  في المناطق الجبليّة بمطماطة و"توجان".. أمطار طوفانيّة غزيرة تتهاطل طوال الليل حتى بلغت في وقت قصير أكثر من 100مم.

رقم فاق ما تبلغه نسبة التساقطات في هذه المناطق طيلة سنة  كاملة.. رقم أنذر بكارثة وشيكة في ظلّ ترهّل البنية التحتية.

 يوم السبت11نوفمبر2017، ومع تباشير الفجر الأولى ،كانت السحب تغطّي المكان، والأمطار تواصل زحفها المائيّ، وتمنع الشمس من البزوغ ...ركب معتمد مطماطة الجديدة سيارة الحرس الوطني صحبة رئيس المركز والسائق وتوجّه مباشرة  إلى المدرسة الإعدادية "الآفام" ليُشرف على عملية إجلاء تلاميذ المدرسة الإعداديّة العالقين بسبب ارتفاع منسوب المياه ،وانقطاع طريق العودة على مستوى وادي جير... وصل إلى المدرسة وساهم في تأمين وصول التلاميذ إلى منازلهم عبر شاحنات الجيش الوطني بمطماطة...ثم قرّر مع رفيقيه التوجّه إلى وادي "الأفام" لمراقبة الوضع والإطلاع على الأوضاع.

 على مستوى وادي الأفام كانت المياه تندفع بقوّة لكن منسوبها كان يسمح بمرور السيارات فقرروا التوجه إلى الجهة الأخرى من الوادي لنجدة مواطنين لم يتمكنوا من العبور، ووفق شهادة السائق الناجي لموزاييك، باغتت المياه المنحدرة السيارة وهي في منتصف الوادي وجرفتها إلى أعماقه فانقلبت ثلاث مرات وفتحت الأبواب وألقت المياه العاتية الركاب الثلاثة.

مساء السبت 11 نوفمبر 2017 ، عثر مواطن كان يشارك طوعا في عمليات البحث على جثة رئيس مركز الحرس الوطني النقيب مهدي الحدّاد على بعد كيلومترين من مكان فقدان السيارة، وكان لابدّ من الاهتمام بالفقيد وتأمين مواراته في مثواه الأخير دون التوقف عن عملية البحث عن المفقود.

أسبوع مرّ على الفاجعة، استعاد الوادي هدوءه المعتاد لكن لا أثر لجثّة معتمد مطماطة المفقود عدا حذاء يشير إلى أنّ صاحبه ذهب بعيدا في مصارعته المياه الهادرة..

عمليات التّمشيط مازالت متواصلة في أودية تمتدّ على طول ما يقارب 40كم وعرض يصل في بعض المناطق إلى نصف كم لتلقي ما تجرفه في البحر البعيد..

وحدات من الحماية المدنية معززة بفرقة من الأنياب وفرق من الجيش الوطني ومجموعة من الصيادين خبروا المكان وعرفوه..ومواطنون قادهم الواجب إلى المشاركة في عمليات البحث المضنية...وآلة "سكانير" متطوّرة تطوّع بها مقاول قادم من صفاقس... كلّها عناصر تجمّعت لمواصلة عمليات البحث المضنية....لكن رغم الفتامة التي تخيّم على المشهد تتجلّى بعض الصور المشعّة التي ترسم ألوان الإنسانية الزاهية رغم السواد  ..أهالي مطماطة يتطوعون بالأكل والشرب، ويحاولون شدّ أزر مجموعات من أسرة الفقيد التي هبّت للبحث دون كلل أو يأس.....

العميد"عاطف حويج" المدير الجهوي للحماية المدنيّة كان يشرف على عمليات البحث التي تعتمد طرقا علمية بعيدا عن العواطف، تحدّث إلى موزاييك كاشفا عن  كلّ الوسائل المعتمدة في عمليات  البحث التي قد تتطلّب وقتا وأكّد أن هذه الوضعيات تتطلّب الصبر.

في الأثناء نزل أبناؤه الذين لم يرهم منذ مدة ليشاركوه الطعام إلى ظلّ زيتونة...رفض التصوير لكن قال بنبرة حزينة "أستاذ...هؤلاء أبنائي الثلاثة...لقد ماتت أمهم في حادث مرور...وها أنت ترى كيف يمكن لمقتضيات العمل أن تبعدني عنهم"....هذا الذي نطلبه في كل وقت ونغضب كلما تأخّر في الردّ يعاني من ظلم القدر ومن ظلم عملنا الذي قد يحولنا أحيانا إلى حجز...وتستمرّ عمليات البحث رغم كلّ الأحزان.....

**محمد صالح مجيّد