الحلفاء... ثورة القصرين المهملة وقارب نجاتها...
"لو تتوفّر استراتيجيا متكاملة لتعويض المنتوجات المنزليّة المستوردة من تركيا والصّين، وتعويضها بما يُصنع يدويّاً من نبتة الحلفاء، من أدوات زينة للمطبخ وحصير وغيره، سنصنع ثروة، وسنحتوي يد عاملة محترمة، وسندعم منتوجاً وطنيّاً صرفاً"، هكذا اختتم خبير وطنيّ لدى وزارة الفلاحة تصريحه لموزاييك، بعد أن طلب عدم الكشف عن هويّته، بسبب المرسوم الحكومي الذي يفرض الحصول على ترخيص مسبق، قبل التّعاطي مع وسائل الإعلام.
خلاصة خبير، قد تحوصل أهميّة تثمين ثروات لا يكاد يسمع عنها شيئاً، رغم قيمتها المضافة في كلّ مرة يتمّ استغلالها بطريقة علميّة وحرفيّة ومنصفة.
فلطالما كانت نبتة الحلفاء، ميزة منطقة السّباسب العليا، أي ولاية القصرين، وواحدة من أهمّ ثرواتها. نبتة تنتصب شامخة على قارعة طرقات حاسي الفريد وسبيطلة والجنوبية وماجل بالعباس، بشكلها الدّائري الّذي يصبغ أصفراً شمساً، فترة قطفه، لتشكّل زينة مرتفعات القصرين، وموردَ رزق مهمّ للأهالي، منذ ستّينات القرن الماضي، بتأسيس معمل عجين الورق، وقبلها.
وتحتوي ولاية القصرين على 140626 هكتاراً من الحلفاء، بإنتاج يقدّر ب 1000 طنّ سنويّاً، في موسم جنيها الّذي يفتتح في 1 جويلية وينتهي في 31 ديسمبر، كلّ سنة.
وإذ توفّر نبتة الحلفاء شغلاً موسميّاً ل 4000 عائلة في علاقة بالشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق بالقصرين، فإنّها تستوعب 1600 عائلة أخرى، أيضاً، بعيداً عن معمل الحلفاء؛ في أنشطة حرفيّة موادّها الأوليّة صنيعة هذه الثّروة.
أرقام قادرة على التطوّر خصوصاً إذا ما تمّ تطوير منتجات الحلفاء، عبر التّشجيع على البحث العلميّ، من أجل استعمالها كعلف للحيوانات أو كأسمدة للموادّ الفلاحيّة أو مع مزيد دعم منتجاتها في الصناعات التقليديّة، وفق تصريحات الخبير في المجال، لموزاييك.
140 منتوجاً مصدره الحلفاء...
بدوره، يؤكّد المندوب الجهويّ للصناعات التّقليديّة بالقصرين عادل المحمدي، في تصريح لموزاييك، أن 140 منتوجاً في مجال الصّناعات التقليدية مصدره نبتة الحلفاء الّتي تحتوي في ولاية القصرين 600 حرفيّ، داخل 20 مؤسسة حرفيّة.
ومن بين المنتوجات، الّتي يصدّر جزء منها نحو أروبا وأمريكا، نجد أطباق الحلفاء والموادّ المنزليّة والحصير ومواد الزّينة وغيرها، وفق المصدر نفسه.
ويشير المحمدي إلى أن مشكل المتداخلين في عملية التّصدير (السماسرة والوسطاء)، يبدو جليّاً في هذه الحلقة، ما يجعل مداخيل القطاع غير معلومة بصفة دقيقة.
ودعا إلى تجميع حرفيي قطاع الحلفاء وسط مجمّعات، بتوظيف لأصحاب الشّهادات العليا، ممّا قد يساعد على النّهوض بهذا المجال الواعد الّذي يحتاج جهداً وتجديداً، في ترويج منتجات الحلفاء، وفق تعبيره.
لأول مرة تصدير... كميّات من الحلفاء نحو أروبا:
وليست المنتوجات الّتي تتكوّن الحلفاء وحدها من خرجت من القصرين نحو أسواق أجنبيّة، فقد تمّ تصدير كميات من محصول الحلفاء نفسه، إلى إسبانيا، من أجل استعمالها هناك في صناعة الورق، في تجربة أولى من نوعها في تونس، سنة 2021، وفق رئيس دائرة الحلفاء بالمندوبيّة الجهويّة للتّنمية الفلاحيّة حسن الونيسي.
وأشار محدّثنا، في تصريحه لموزاييك إلى أنّه تم تصدير 2200 حمولة دابّة من الحلفاء بمبلغ 3.5 ألف دينار، كأوّل تجربة لتصدير حلفاء القصرين.
من جهة أخرى، لم يخفِ الونيسي تقلّص مساحات الحلفاء في القصرين، الّتي تعتبر المنتج الأوّل لها في تونس، بسبب الجفاف والاعتداءات على الأراضي المحتوية للنبتة حيث تم تسجيل 421 مخالفة اعتداء سنة 2021، وفق المصدر ذاته.
ثورة مهملة وقارب نجاة في الآن نفسه...
الحلفاء، ثورة القصرين المنسيّة، الّتي تتكاثر دون غراسة وتُجنى دون آلات، كهبة من الطّبيعة، مرّة في السنتين على الأقلّ، توفّر موارد لآلاف العائلات، رغم تهميشها. وهي قادرة على أن تكون حلقة مهمّة في تنمية اقتصاديّة واجتماعيّة منشودة لصناعة ثروة حقيقيّة، لتكون قارب نجاة، في بلد أثبت منذ عقود أنّه لا يستغّل ثرواته إلاّ ريعاً أو عبثاً.
برهان اليحياوي